نظّم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ندوة حول “ألعاب الإنترنت الاستراتيجية” كمجال جديد للقوة الناعمة والتنافس الإقليمي. وقد أكد المشاركون في الندوة أن الألعاب الإلكترونية الاستراتيجية تُعتبر جزءًا من القوى الناعمة للدولة المصرية، مشيرين إلى جهود مصر الواضحة مؤخرًا لتعزيز قوتها الناعمة. شارك في الندوة كل من الدكتور خالد عكاشة مدير المركز، ود عبدالمنعم السعيد رئيس الهيئة الاستشارية، ود. جمال عبدالجواد مدير برنامج السياسات العامة بالمركز، وعزت إبراهيم رئيس تحرير صحيفة “الأهرام ويكلي” وعضو الهيئة الاستشارية، ود. رغدة البهي مديرة وحدة الأمن السيبراني بالمركز، ومجموعة من شباب الباحثين بالمركز، بالإضافة إلى د. محمد حجازي رئيس مكتب الملكية الفكرية بهيئة تنمية…
نظّم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ندوة حول “ألعاب الإنترنت الاستراتيجية” كمجال جديد للقوة الناعمة والتنافس الإقليمي. وقد أكد المشاركون في الندوة أن الألعاب الإلكترونية الاستراتيجية تُعتبر جزءًا من القوى الناعمة للدولة المصرية، مشيرين إلى جهود مصر الواضحة مؤخرًا لتعزيز قوتها الناعمة.
شارك في الندوة كل من الدكتور خالد عكاشة مدير المركز، ود عبدالمنعم السعيد رئيس الهيئة الاستشارية، ود. جمال عبدالجواد مدير برنامج السياسات العامة بالمركز، وعزت إبراهيم رئيس تحرير صحيفة “الأهرام ويكلي” وعضو الهيئة الاستشارية، ود. رغدة البهي مديرة وحدة الأمن السيبراني بالمركز، ومجموعة من شباب الباحثين بالمركز، بالإضافة إلى د. محمد حجازي رئيس مكتب الملكية الفكرية بهيئة تنمية صناعات تكنولوجيا المعلومات، وشريف عبدالباقي رئيس الاتحاد المصري، ومصطفى محمد متولي أخصائي إدارة مشروعات تكنولوجيا المعلومات.

وأكد المشاركون العلاقة المهمة بين الألعاب الإلكترونية الاستراتيجية والأمن القومي. فقد أكد دكتور خالد عكاشة أن الفكرة من وراء هذه الندوة جاءت خلال تدريب في ورشة عمل أقامها المركز في وقت سابق، لافتًا لأهمية الموضوع. ومن جانبه، أشار د. حسن أبوطالب في افتتاح الندوة إلى أن إحدى الشركات المصرية حاولت الدخول للمجال لكنها لم تتمكن من الاستمرار لعدة أسباب، موضحًا أن للألعاب الإلكترونية تأثيرًا على الأمن القومي. كما يوجد تمويل ضخم للمصنعين، بالإضافة لتعاون بين مراكز الفكر والأبحاث والمطورين والمصنعين لهذه الألعاب، مؤكدًا ضرورة وجود بديل لهذه الألعاب للشباب المصري.
بدوره، استعرض الباحث محمد حسن جزءًا من لعبة “كول أوف ديوتي”، التي يوجد بها صور لأحياء مصرية مدمرة، ثم استعرض فيديو تفجير مطار بروكسيل وفيديو آخر لعمليات القاعدة في سوريا في عام 2013، مشيرًا إلى أنها مشابهة لحد كبير للمحاكاة الموجودة في اللعبة الإلكترونية.
وأكد الباحث أن سوق الألعاب الإلكترونية بلغ 10% من حجم التجارة الإلكترونية حول العالم وهو ما يقدر بنحو (100-120) مليار دولار، مضيفًا أن الصين واليابان وحدهما تسيطران على 52% من سوق الألعاب الإلكترونية تليهما أمريكا الشمالية.
وأكد الباحث أنه منذ عام 2007 تطورت الألعاب الإلكترونية بشكل كبير، وأصبحت الألعاب الاستراتيجية هي المكون الأساسي في صناعة الألعاب، مشيرًا إلى أنه حتى ذلك العام ظلت الولايات المتحدة مسيطرة على سوق الألعاب الإلكترونية قبل أن تدخل الصين المنافسة ليبدأ البلدان إنتاج سلاسل من الألعاب الإلكترونية تأكد فيها أنها هزمت الطرف الآخر وفقًا لسيناريو اللعبة، وأدى ذلك لاكتشاف البلدين لمدى الربح الذي يمكن الحصول عليه من إنتاج الألعاب الإلكترونية.

وعرض الباحث للعبة باسم “جنرلز” وهي منتجة في عام 2001، وتتشابه بشكل كبير مع تسليح الميليشيات في سوريا وليبيا. وأشار إلى أن لعبة “كول أوف ديوتي” الشهيرة تحقق ربحًا يصل إلى 1.1 مليار دولار سنويًّا. كما تُعتبر تجسيدًا واضحًا للحرب غير النظامية وغير المتكافئة. كما أشار إلى أن اللعبة من إنتاج شركة أكتفيشن التي تربطها علاقة وثيقة بمكتب الاستخبارات الأمريكية ومركز أبحاث “أتلانتيك كونسيل”، لافتًا إلى التقارب الواضح بين أحداث اللعبة والسيناريو ونوعية التسليح مع العمليات وتسليح الميليشيات في سوريا.
وفي هذا الجزء من اللعبة الذي تم إصداره من 4 سنوات طلبت أكتفيشن -الشركة المطورة للعبة- من مركز أتلانتك كونسيل تقريرًا بسيناريو النزاعات المستقبلية، وكان من ضمنها حرب بين إثيوبيا ومصر. وأشار إلى أن أكثر دولتين تم فيهما شراء اللعبة هما تركيا وإسرائيل. كما أكد تشابه أسلوب التعذيب في اللعبة والأسلوب الذي يتبعه تنظيم داعش الإرهابي. ووفقًا للباحث فقد وصل عدد اللاعبين المصريين الموثقين بهذه اللعبة إلى أكثر من 150 ألف شاب.
وعقّب د. حسن أبو طالب على عرض الباحث محمد حسن قائلًا، إن الألعاب الإلكترونية أصبحت جزءًا من التأثير على شبابنا وبالأخص في الفترة الماضية. وأشار إلى عدم وجود بديل مصري لهذه الألعاب. وأضاف أن مثل هذه الألعاب لا يكون تصميمها عشوائيًّا، بل يكون لها سيناريو محبوك ولها هدف ضمني.

ووجّه د. محمد حجازي الشكر للحضور وللمركز على دعوته للمشاركة في الندوة، مضيفًا أن آخر التقارير لعام 2020 تشير إلى وصول العوائد الناتجة عن تصنيع الألعاب الإلكترونية إلى 159 مليار دولار في السنة. كما أن عدد اللاعبين زاد خلال الشهور الثلاثة الماضية بنسبة 5 ملايين لاعب جديد حول العالم بسبب جائحة كورونا والبقاء في المنازل. وأضاف أن الألعاب الإلكترونية تشبه في تأثيرها صناعة السينما، كما أن للألعاب توجهات معينة. بالإضافة لذلك، هناك ألعاب إلكترونية أخرى كالألعاب ذات المحتوى الرياضي.
ولفت حجازي خلال كلمته إلى أن الوصول للمستوى الحالي للألعاب الإلكترونية يحتاج لتكنولوجيا متطورة جدًّا، وهو ما لا يتوفر لدى الدول العربية، فوفقًا لحجازي لا توجد شركة عربية قادرة على الدخول في هذا السوق، لكن توجد شركات عربية لتعريب محتوى الألعاب. وشدد على أهمية الدخول في هذه الصناعة والاستثمار فيها، مشيرًا إلى أن الشركات التي تدخل هذا المجال تكون برأس مال مخاطر، حيث تبلغ نسبة النجاح في السوق لهذه الشركات 1% وذلك لأنه من الممكن أن لا يلقى منتج الشركة “اللعبة الإلكترونية” قبولًا لأي سبب. وأشار إلى أن سبب تأخرنا في هذا المجال أنه في مراحل التعليم المصري، سواء على مستوى المدارس أو الكليات، لا يدرس الطالب أي شيء يتعلق ببرمجيات التطبيقات أو الألعاب وتطويرها أو حتى تعلم الجرافكس.
أما عن الإمكانات المتاحة، فأشار د. حجازي إلى أن تصميم سيناريو لعبة يحتاج لدعم مادي، إضافة إلى وجود الإمكانات البشرية اللازمة، والمتمثلة في مخرجين وأخصائيين نفسيين، ومتخصصين في مجال الجرافكس والأنيميشن، وكتاب سيناريو وغيرها من التخصصات اللازمة، مشيرًا إلى أن مصنّعي ومطوّري اللعبة الواحدة قد يكونون بالمئات أو الآلاف من الأشخاص من تخصصات مختلفة.
وأشار د. حجازي أيضًا إلى أن العائق الأساسي أمام دخول هذا المجال هو عدم توافر مناخ جيد جاذب للاستثمار، بالإضافة إلى بعض المعوقات القانونية، مما جعل الشباب المصري يؤسسون شركات تطوير تطبيقات في دول أخرى مثل إستونيا أو الإمارات، حيث يتوفر لهم المناخ المناسب، مما يجعل المنتج الخارج من الشركة منتجًا غير مصري.
بدوره، أكد المهندس مصطفى متولي خلال كلمته ضرورة الربط بين الاستثمار في سوق الألعاب وبين الدولة، وقد استهل كلمته بالإشارة إلى مفهوم “جيميفيكيشن”، أي كيف تزرع الألعاب سلوكيات معينة في الشخص عن طريق الحصول على جوائز أو الفوز بمنافسة في اللعبة. وأشار إلى الألعاب المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي والتي يمكن إعادة نشرها، وهو ما يخلق “عدوى الألعاب والتنافسية” مما يؤثر على المجموعات القريبة من الفرد وتنتقل لها العدوى، ثم منها للمجتمع. وأضاف أن مفهوم “الجيمفيكيشن” ليس دائمًا ضارًا، بل يمكن استخدامه بشكل مفيد مثل تطبيق “دولينجو” وهي لعبة لتعلم اللغات الأجنبية عبر الهاتف المحمول.
وأشار إلى أن الألعاب الإلكترونية الاستراتيجية، تنقسم إلى ثلاثة أقسام، هي ألعاب يقع السيناريو الخاص بها في الماضي، وأخرى يقع السيناريو الخاص بها في الحاضر، وثالثة يقع السيناريو الخاص بها في المستقبل. وأشار إلى ضرورة قيام مصر بوضع قوانين تمنع الألعاب المسيئة لمصر لما لها من تأثير سلبي على الشباب.
وأضاف أنه توجد منظمة في مصر تقوم بتدريب مصنعي ومطوري التطبيقات والألعاب الإلكترونية. وأكد ضرورة تحليل سوق الألعاب الإلكترونية في مصر حتى يتسنى للمصنعين تطوير لعبة تلقى رواجًا لدى الشباب المصري، مثل تصنيع ألعاب لها علاقة بالحروب التي خاضها الجيش المصري، مما يزيد انتماء الشباب للبلاد ولمؤسساتها، ويعزز قيم الوطنية لديهم. كما يمكن عمل ألعاب تعزز قطاع السياحة في مصر استنادًا إلى ما تملكه من مقومات في هذين المجالين.
وشدد على ضرورة دعم الدولة للمطورين، ومنحهم رخصة خاصة بهم ليتسنى لهم استيراد الأجزاء الإلكترونية المهمة التي تتيح لهم عملية البرمجة والتصنيع.
واستعرضت د. رغدة البهي الأبعاد السياسية في القضية، حيث أشارت إلى العلاقة بين لعبة “كول أوف ديوتي” والعمليات الإرهابية حول العالم، وتحول هذه الألعاب إلى وسائل “تجنيد” حديثة للشباب، ووسيلة تواصل بين الإرهابيين. وأشارت إلى لعبة أخرى تحاكي التدخل التركي في سوريا، وكانت وسيلة دعاية للعمليات التركية في سوريا، حالها حال لعبة “الدفاع المقدس” وهي اللعبة التي يستخدمها حزب الله للترويج لعملياته.
وتعليقًا على ما قالته د. رغدة قال د. حسن أبو طالب، إن عوائد تطوير الألعاب الإلكترونية في تركيا في العام الماضي فقط وصلت إلى 1.2 مليار دولار. كما تخدم هذه الألعاب توجه الدولة التركية وقوتها الناعمة. وأشار إلى ضرورة أن تقوم مصر بذلك من خلال عمل ألعاب مصرية لضمان عدم تأثر الشباب المصري أو التأثير على انتماءاته.
في نهاية الندوة، شكر د. عبدالمنعم السعيد القائمين عليها والمتحدثين، مؤكدًا ضرورة وضع الموضوع في حجمه والبحث والتعمق في علاقته بالأمن القومي المصري. وشدد على أن الألعاب الاستراتيجية موجودة منذ القدم، وأكد أن الأمر لا يتعلق بمصر فقط.
واتفق د. عبدالمنعم السعيد مع الحضور بأن الألعاب الإلكترونية تُعتبر جزءًا من القوى الناعمة، مؤكدًا أنه بالرغم من تأخر مصر في الدخول لهذا المجال إلا أن الدولة قامت بجهود واضحة في الفترة الأخيرة لتعزيز المواطنة، وتعزيز القوة الناعمة من خلال عدة طرق، مثل إنتاج مسلسل “الاختيار” وغيرها من الأدوات الأخرى.
وأشار الباحث بوحدة المرصد محمد هيكل إلى أن خطر الألعاب الإلكترونية لا يقتصر فقط على مفهوم الحرب واحتلال الدول وتغير انتماءات الشباب، بل تعدى ذلك للتأثير على العقيدة والثوابت الثقافية، خاصة في ظل وجود ألعاب إلكترونية تحرض على الإلحاد، وأخرى تحرض على الفجور والشذوذ الجنسي مثل لعبة “لاست أو أس 2” حديثة الصدور، وهو ما يجب أن تتنبه له الدولة. وأشار إلى منع دولة الإمارات اللعبة داخلها لما تحمله من محتوى مخل، وهو ما يجب أن نستيقظ له، لما له من خطر على شبابنا. وأضاف أنه يمكن تأسيس لجنة أو هيئة يكون منوطًا بها المراقبة على محتوى الألعاب قبل وصولها للسوق المصري.
في نهاية الندوة، طالب د. خالد عكاشة من المتخصصين في هذا المجال تقديم عناوين لأوراق بحثية حتى يتسنى للمركز المصري العمل عليها، بشكل يسهل الوصول به للقطاع المعني بهذه الصناعة بصورة بسيطة. وأشار إلى أنه يمكن العمل على ورقة حول الإشكالات القانونية التي ترتبط بالألعاب الإلكترونية وتصنيعها وتطويرها. ولفت إلى أن الموضوع متشعب ويجب تناوله بشكل موسع. كما اتفق جميع الحاضرين معه على أهمية الموضوع، وضرورة بحثه وتناوله بشكل موسّع.
في الختام، أشار د. خالد عكاشة إلى أن المركز سيقوم بإعداد خطة عمل بهذا الخصوص، كما سيتم بحث الموضوع بطريقة علمية ومنهجية حتى يتسنى لنا الوصول لرؤية شاملة تضع مصر على خريطة مطوري البرمجيات والألعاب الإلكترونية، وتحمي شبابها من مخاطر هذه الألعاب، وتوجه بالشكر لكل الحاضرين.