حلقات نقاش
“ديفيد ماكوفسكي” الخبير البارز بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في حلقة نقاشية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: مصر قادرة على فتح قناة اتصال جديدة لعملية السلام رغم صعوبة الحل مع “ترامب” و”نتنياهو”
عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حلقة نقاشية مع “ديفيد ماكوفسكي” مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وعضو في مجلس العلاقات الخارجية CFR والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS (لندن)، لاستشراف مستقبل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل عدد من المتغيرات على الساحة الأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية. ويملك “ماكوفسكي” خبرة عريضة في الشرق الأوسط منذ أن بدأ صحفيًّا يقوم بتغطية عملية السلام بين عام 1989 وعام 2000، ثم التحق بمعهد واشنطن. وعمل السيد “ماكوفسكي” (مواليد سانت لويس بولاية ميزوري) رئيس تحرير تنفيذيًّا لصحيفة “جيروزاليم بوست”، وكان مراسلًا دبلوماسيًّا لصحيفة “هآرتس” اليومية في إسرائيل. وفي يوليو…
عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حلقة نقاشية مع “ديفيد ماكوفسكي” مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وعضو في مجلس العلاقات الخارجية CFR والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS (لندن)، لاستشراف مستقبل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل عدد من المتغيرات على الساحة الأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية. ويملك “ماكوفسكي” خبرة عريضة في الشرق الأوسط منذ أن بدأ صحفيًّا يقوم بتغطية عملية السلام بين عام 1989 وعام 2000، ثم التحق بمعهد واشنطن. وعمل السيد “ماكوفسكي” (مواليد سانت لويس بولاية ميزوري) رئيس تحرير تنفيذيًّا لصحيفة “جيروزاليم بوست”، وكان مراسلًا دبلوماسيًّا لصحيفة “هآرتس” اليومية في إسرائيل. وفي يوليو 1994 -نتيجة لتدخل شخصي من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك “وارن كريستوفر”- أصبح “ماكوفسكي” أول صحفي يكتب لوسيلة إعلام إسرائيلية يزور دمشق. كما عمل “ماكوفسكي” في مكتب وزير الخارجية الأمريكي خلال الفترة (2013-2014)، كما عمل مستشارًا للمبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وقد أدلى “ماكوفسكي” بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب بالولايات المتحدة في مرات عديدة فيما يخص الأوضاع في الشرق الأوسط.
حضر الحلقة النقاشية الدكتور “عبدالمنعم سعيد” المستشار الأكاديمي للمركز، واللواء “محمد إبراهيم” عضو الهيئة الاستشارية، والدكتور “جمال عبدالجواد”، والدكتور “توفيق أكليمندوس”، والدكتور “محمد فايز فرحات”، ومجموعة من الباحثين بالمركز.

في كلمته الرئيسية قال “ماكوفسكي” إن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy يُعتبر مركزًا بحثيًّا يحاول تجنب الانتماءات الحزبية من أجل إخراج رؤية واقعية ومحايدة للتفاعلات الدولية، لأن الهدف ليس تبني خط سياسي بعينه.
وأضاف أن إدارة الرئيس الحالي “دونالد ترامب” فريدة من نوعها، انطلاقًا من صعوبة التنبؤ بتصرفات “ترامب” نفسه، مشيرًا إلى أن سياسة “ترامب” تعزز الاستقطاب السياسي بدرجة كبيرة. وأوضح أن الولايات المتحدة حاولت طوال تاريخها أن تنأى بسياستها الخارجية عن الاستقطابات الحزبية، إلا أنه خلال فترة “ترامب” يصعب تحقيق ذلك. وأشار إلى أنه أثناء وجوده في أبوظبي مؤخرًا أقلقه جدًّا التغير في صورة الولايات المتحدة التي حدثت منذ وصول الرئيس “ترامب” إلى سدة الحكم، وذلك بسبب عدم رد الولايات المتحدة على عدد من الأحداث من بينها استهداف السفن وحادث “أرامكو”. وقال إن الشعب الأمريكي أضحى يركز بشكل أساسي على الشأن الداخلي. في إشارة منه إلى اعتبار ذلك سببًا في تغير سياسة “ترامب” الخارجية.
وفي تحليله لطريقة عمل الإدارة الحالية، يرى “ماكوفسكي” أن الولايات المتحدة تسعى لتهدئة التوترات في المنطقة حتى تستطيع تحقيق سياسة خفض التواجد الخارجي، حيث يرفض “ترامب” أن تكون الولايات المتحدة شرطي المنطقة أو العالم. واعتبر خبير معهد واشنطن أن سياسة “ترامب” تجاه المنطقة تعتمد على الأبعاد المالية والمادية، ومن ثم تحاول إعادة النظر في العلاقة مع الحلفاء.
وفيما يتعلق بمصر، اعتبر الخبير الأمريكي أن مصر هي مركز ثقل المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، وأشار إلى وجود احترام كبير وتقدير للدور المصري، وليس هناك بديل عن التعاون المصري-الأمريكي. وقال إن مصر هي مركز الاستقرار في المنطقة، وأن دورها المحوريّ في قضية السلام بالمنطقة ليس محل نقاش، ولا يمكن لأي دولة أخرى أن تحل محلها، مشيدًا بدور الرئيس “عبدالفتاح السيسي” في عملية السلام، وموضحًا أن مصر منغمسة في الوقت الحالي في عدد من القضايا مثل اللاجئين.
ولفت “ماكوفسكي” إلى أن عملية السلام ترتبط بخمس قضايا رئيسية، هي: الحدود، واللاجئون، والقدس، والاعتراف، والأمن. وأضاف أن الجميع أصبح متشككًا في عملية السلام، أو الوصول إلى حلٍّ مُرْضٍ للطرفين. وشدد على وجود ساحة للحوار السياسي Political Space بين فلسطين وإسرائيل، بالإضافة إلى ضرورة خلق قناة اتصال Bridge، وهذا الأمر في يد مصر. وقال أيضًا إنه يعتقد أن القضية في حاجة إلى خطوات من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على التوازي من أجل التسهيل في بدء عملية السلام، معتبرًا أن الوضع الحالي يضر بإسرائيل أيضًا، حيث يجب تقليص حالة الصراع، وأنه من الأفضل اتّباع مسار براجماتي يقوم على المصالح. وقال إن الفرص ستكون أفضل مع فوز “جانتز”، حيث إن تحالف “أزرق أبيض” يعكس الحرص على تعزيز الأمن في إسرائيل.
وردًّا على سؤال من الدكتور “جمال عبدالجواد” رئيس وحدة السياسات العامة بالمركز، حول الموقف الأمريكي من التسوية السلمية في المرحلة الراهنة، قال “ماكوفسكي” إن الإعلام تحدث عما يُعرف بـــ”صفقة القرن” بطريقة دفعت الجميع إلى ترديد نفس المصطلح. في الوقت نفسه، يتبنى الرئيس “ترامب” سياسة “أقصى ضغط”، انطلاقًا من أن “ترامب” يتعامل مع الأمور بطريقة شخصية. ولفت إلى أن المساعدات الإنسانية ستكون ذات تأثير كبير في عملية السلام، وستكون لها تداعيات خطيرة.
وحول الانتخابات الإسرائيلية، أشار “ماكوفسكي” إلى أن “نتنياهو” اتّبع سياسة متشددة لزيادة فرص فوزه. وشدد على أن الأمل يكمن في فوز “جانتز”. لكنه رأى أيضًا أن خطة السلام سوف تتأجل لحين تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
ويعتقد “ماكوفسكي” أنه من الضروري عدم الإفصاح عن الرفض تجاه مقترحات “ترامب” حتى لا تؤدي إلى رفض كامل من جانب “ترامب”. وقال إنه من الأفضل القبول ثم البحث في التكتيكات، مشيرًا إلى أن “ترامب” يتبنى صيغة “كل شيء أو لا شيء”، وفي حال تطبيقها سنصل إلى لا شيء، وبالتالي فعلى الدول أن تقبل “صفقة القرن” حتى إن بدا أن الرفض مسبق. وضرب مثالًا بورشة المنامة، التي قالت الإدارة الأمريكية وقتها إنه في حال الموافقة سيتم تنفيذ نحو 178 مشروعًا، وإذا تم الرفض فلن يتم تنفيذ أي منها.
وفيما يتعلق بفرص فوز “ترامب” في انتخابات نوفمبر المقبل، قال “ماكوفسكي” إن الفرص أمام “ترامب” ما زالت مرتفعة بسبب عدد من الأمور، منها: تحسن الأوضاع الاقتصادية، والاتفاق الجديد مع المكسيك، والاتفاق الجديد مع الصين، بالإضافة إلى حالة التشرذم في الحزب الديمقراطي، حتى مع دخول المرشح “بلومبرج”.
وعن فرص الكشف عن خطة السلام قبل الانتخابات الأمريكية، قال “ماكوفسكي” إنه يعتقد أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل “ديفيد فريدمان” سيدفع في اتجاه خطة السلام بحكم علاقته الجيدة مع “ترامب” و”بومبيو” و”كوشنر”، وأن الإدارة الأمريكية سوف تنتظر تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مؤكدًا أن نتيجة الانتخابات الإسرائيلية سوف تؤثر في الموقف الأمريكي. وأشار إلى أن مستقبل عملية السلام يتوقف على الانتخابات الإسرائيلية، ووصول “نتنياهو” مجددًا سيضر عملية السلام لأنه يعتمد على المواقف المتشددة لزيادة شعبيته. ومن ناحية أخرى، أكد “ماكوفسكي” أن “ترامب” في حالة إعادة انتخابه سوف يتبنى السياسة ذاتها المطبقة اليوم، ومن ثم سيصبح على السلطة الفلسطينية أن تتعامل مع “ترامب” أربع سنوات أخرى. لكن “ماكوفسكي” أوضح أيضًا أن الأمر لا يتعلق فقط بالانتخابات الأمريكية، وإنما بالانتخابات الفلسطينية كذلك، وما سينجم عنها سيكون مهمًّا. واعتبر أن وجود “أبو مازن” أفضل باعتبار أنه خليفة “ياسر عرفات”، ومن مؤسسي فتح، ورئيس السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، وبالتالي فإن أي خليفة لن يكون بنفس قدر “أبو مازن”.
وفي ردّه على سؤال من “عمرو عبدالعاطي”، الباحث بالمركز، عن فرص حل الدولتين، وهل يُمكن أن تتبناه الولايات المتحدة؟ أجاب “ماكوفسكي” بالقول إنه يعتقد أن الحديث السائد في إسرائيل هو “دولة واحدة ثنائية القومية”، ومن ثم فهو يرى أن الطرحين يعكسان الشيء نفسه.
وفي مداخلة للدكتور “عبدالمنعم سعيد”، المستشار الأكاديمي للمركز المصري، أشار إلى أنه يعتقد أن الأهم ليس الطرح، وإنما ما يتم تطبيقه على الواقع، فليس مهمًّا أن نخلق فرصًا جديدة، وإنما المهم أن ننجز الفرص التي بدأناها. وشدد “د. عبدالمنعم” على أن المحادثات كانت ناجحة حينما كانت مباشرة بين إسرائيل وفلسطين -في إشارة منه لعملية أوسلو- معتبرًا أن دولًا أخرى عرقلت عملية السلام. وأشار “د. عبدالمنعم” إلى أن زيادة وتيرة الاعتماد المتبادل على المستويين الأمني والاقتصادي بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية سيعزز فرص السلام، الأمر الذي قد يعزز من أطروحة الفيدرالية، اعتمادًا على التعايش المشترك بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على أرض الواقع. فهناك آلاف الفلسطينيين الذين يعبرون إلى إسرائيل يوميًّا من أجل كسب قوت يومهم، إضافة إلى تزايد ثقة الإسرائيليين في فلسطينيي إسرائيل وحصولهم على 15 مقعدًا في الكنيست، وهو عدد مرشح للزيادة في الانتخابات المقبلة.
وانتقل “ديفيد ماكوفسكي” في ردوده على الحضور بالحديث عن الانتخابات الفلسطينية، فقال إن السلطة الفلسطينية أوضحت له أثناء زيارته لرام الله، مؤخرًا، أنها قد “توصلت لبناء بعض التفاهمات مع حماس”. وأوضح أن الانتخابات سوف تعزز شرعية الطرفين (السلطة وحماس)، مضيفًا أن السلطة الفلسطينية بذلت جهودًا كبيرة لإجراء الانتخابات، وذلك لوجود أزمة شرعية. وأردف الخبير الأمريكي قائلًا: “إن الانتخابات جرت في فلسطين ثلاث مرات، وأعتقد أنها يجب أن تُجرى للمرة الرابعة، متسائلًا عن رغبة أبو مازن الحقيقية فيها”.
وقال “ماكوفسكي” إن الجميع يتحدث عن صعوبة إقامة دولتين منفصلتين؛ إلا أنه يرى أن هناك إمكانية لتحقيق تلك المقاربة. موضحًا أن الصراع له بُعد عاطفي يتعلق بالمعتقدات الدينية. وأضاف أن التفكير في حل الدولتين لن يحل الأمر الآن، لأن أغلب الكنيست الإسرائيلي يميني بما يقترب من 63%. وشدد “ماكوفسكي” على أن مسألة المستوطنات قد تعرقل الأمر، ولكن لا بد من ترك الباب مفتوحًا لتحقيق خطوات على الأرض. وأكد أن إسرائيل بحاجة إلى صافرة إنذار حتى تصبح مجبرة على تغيير خطابها الإثني الذي يفصلها عن الفلسطينيين، ولا بد من الضغط عليها لوقف التصعيد ووقف بناء المستوطنات حتى لا تؤدي تلك السياسة إلى انفجار. من ناحية أخرى، طالب “ماكوفسكي” الفلسطينيين بالتوجه نحو مزيدٍ من التطبيع. ولفت إلى أن “التدرج” لن يساعد إسرائيل فحسب، وإنما سيساعد الفلسطينيين أيضًا من خلال الشروع في تحركات إيجابية على أرض الواقع، مؤكدًا ضرورة التعامل مع التدرجية بحذر حتى لا يستغلها المتشددون. وأشار إلى أن الحواجز النفسية لا تزال قائمة بين إسرائيل من جانب وفلسطين والشعوب العربية من جانب آخر. وقال إنه يرغب في رؤية “سادات” من جديد، موضحًا أن “السادات” استطاع أن يفهم ويتعامل مع البعد النفسي للصراع، داعيًا إلى ضرورة وجود إرادة لتجاوز الحواجز النفسية، معتقدًا أن الأمر بحاجة إلى تعزيز مجالات جديدة من التعاون من بينها المجالات الفكرية والأكاديمية. وقال إن الأمر بحاجة إلى “من يستطيع إعادة بناء مفاهيم الصراع Conceptualizer”.
وفي تعقيبه على ما جاء على لسان خبير معهد واشنطن، قال الدكتور “عبدالمنعم سعيد” إنه يعتقد أن “ماكوفسكي” يميل إلى حل الدولتين، ويسعى إلى إعادة توصيف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من ناحية أخرى، أشار “د. عبدالمنعم” إلى ضرورة استيعاب أسباب عدم وقوع أي عمل إرهابي أو عنيف ضد إسرائيل، موضحًا أن هذا الأمر لن يكون بسبب حب الفلسطينيين لإسرائيل، وإنما بسبب الدور الذي أضحت السلطة الفلسطينية تقوم به (الدور الأمني)، بجانب عدد من الأمور الأخرى من بينها توحيد التعريفة الجمركية وغيرها من الترتيبات المتبادلة التي وُضعت منذ أوسلو بطريقة جعلت الوضع أشبه بوجود كيانين سياسيين في إطار واحد، وليس دولة واحدة ذات قوميتين. كما شدد “سعيد” على ضرورة إعادة التفكير في الصراع بشكل مختلف، وبالأخص مع وصول الجيل الجديد للحكم في فلسطين. وأشار إلى أن البداية تكمن في عملية بناء الثقة بين الطرفين من خلال فكر جديد، على شاكلة “السادات” الذي استطاع أن يتجاوز فكرة إعادة إنتاج الفكر القديم. مضيفًا أن “السادات” استطاع أن يدرك الوضع جيدًا، كون مصر الطرف العربي الأقوى في مواجهة إسرائيل. وأضاف أن المسألة ليست في فكرة الدولتين، وإنما في طريقة التعاطي معها وإنجازها. مؤكدًا ضرورة البحث عن فكر جديد وأفكار مبتكرة من أجل بناء الثقة، باعتبار أنها المدخل السليم. على سبيل المثال، أهمية الإفراج عن “مروان البرغوثي”.
وعن حل الدولة الواحدة، قال “ديفيد ماكوفسكي” إنه يعتبر أن حل الدولة الواحدة هو مقترح يصعب تنفيذه، موضحًا أن التعاون الأمني بين الطرفين ليس من قبيل اعتبارهما كيانًا واحدًا، وإنما من خلال حرص كل طرف على تعزيز مصالحه. وأوضح أنه في حال التعامل معهما باعتبارهما كيانًا واحدًا ذا قوميتين فسيظهر عدد من الإشكاليات من بينها السياسة الخارجية. وفي حالة تبني أطروحة الدولة الواحدة فسيصبح الوضع على شكل لبنان في حالة احتقان وقابلية دائمة للانفجار. وأكد الخبير الأمريكي أن الأطروحة الأفضل هي حل الدولتين، والعمل على حل القضايا الخلافية بينهما، معربًا عن قناعته بضرورة الشروع في إجراءات بناء الثقة (كالإفراج عن البرغوثي)، معبرًا عن أمله في أن تتم تلك الخطوة. وقال “ماكوفسكي”: “إننا لسنا فقط في حاجة إلى سادات، وإنما أيضًا في حاجة إلى رابين، ولا بد من التفكير في المصالح حتى يتسنى الوصول للحل”، معتبرًا الوضع الحالي نذيرًا خطرًا وينجرف نحو العنف.
وقد شدد “ماكوفسكي” على أن التفكير في حل الدولتين يتطلب مقترحات جديدة، وهو ما رد عليه الدكتور “عبدالمنعم سعيد” بالقول: “سنحاول أن نعمل على هذه المقترحات الجديدة”.
وقُبيل نهاية اللقاء، وجه “ديفيد ماكوفسكي” سؤالًا إلى خبراء المركز: كيف يستطيع المعسكر البراجماتي (تركيا، إيران، قطر، روسيا) التعامل مع قضايا المنطقة، ليبيا على سبيل المثال؟

أجاب دكتور “جمال عبدالجواد”: إن السياسة الأمريكية القائمة على الانسحاب تعبر عن اقتراب أمريكي جديد تجاه المنطقة، معتبرًا أن هذا الاقتراب مؤثر بالضرورة على ميزان القوى في المنطقة، وأن هذا الاختلاف في ميزان القوى لن يصب بالضرورة في صالح المعسكر البراجماتي بالرغم من محاولاتهم المستمرة الاستفادة من انحسار الدور الأمريكي، من منطلق أن تكلفة تدخلاتهم ستصبح مرتفعة. وأضاف أن الولايات المتحدة أصبحت متقبلة لفكرة وجود لاعبين آخرين في المنطقة، مشيرًا إلى أن الدور الروسي أضحى مرحبًا به من بعض دول المنطقة، فيما بات معتقدًا أن الأمر أشبه بـ”لحظة روسيا في المنطقة”، بالاستناد إلى وجود أطراف عديدة تدرك أن انحياز روسيا لصفهم سيساعدهم في تحقيق مكاسب على أرض الواقع. وأشار “عبدالجواد” إلى أن المنطقة تشهد عددًا من الصراعات الممتدة التي يصعب حسمها، ولكن يُمكن احتواؤها.

وقال الدكتور “عبدالمنعم سعيد”: إن المنطقة العربية شهدت زلزالًا ضخمًا هو “الربيع العربي” خلال العقد الماضي. مضيفًا أن تبعات هذا الزلزال لم تنتهِ بعد، باعتبار أن هناك موجة جديدة طالت الجزائر والسودان وبعض الدول العربية الأخرى. وأوضح “د. عبدالمنعم” أن الضعف الذي انتاب المنطقة العربية في أعقاب هذا الزلزال سمح للقوى الإقليمية غير العربية (إيران، تركيا، إسرائيل) بتحقيق عدد من المكاسب، مثل إعلان ضم الضفة ونقل السفارة للقدس. ووصل الحال ببعض الدول العربية إلى طلب تدخل قوات أجنبية على أراضيها.
واعتبر “د. عبدالمنعم” أن بعض الدول العربية تتبنى نهج “الكمون الاستراتيجي” من أجل التعاطي مع المشكلات الداخلية والقضايا الخارجية الحيوية التي تمس الأمن القومي بشكل مباشر، الأمر الذي عزز بل ووسع من الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية غير العربية.
وقال الدكتور “محمد فايز فرحات”: إن استخدام مصطلح “معسكر” براجماتي وليس “تحالفًا” مسألة دقيقة في الحالة الراهنة، باعتبار أن مصالح تلك الدول تتباين باختلاف القضايا، ولا تسير على خط واحد. مشيرًا إلى أن جزءًا من ضعف هذا المعسكر يرجع إلى طبيعة السياسة الأمريكية في هذه اللحظة، التي باتت لديها أولويات محددة بشأن الأزمات الإقليمية المختلفة، ما أدى إلى عدم وضوح هذه السياسة بشأن قضايا محددة، مثل سوريا واليمن وليبيا، بينما هناك أولوية واضحة للأزمة مع إيران، ما أدى إلى وضوح “المعسكر” المواجه لإيران، بينما خفت أو ضعف المعسكر المعتدل المعني بتسوية الأزمة في ليبيا أو اليمن.
وفي ختام الحوار، علق “ماكوفسكي” قائلًا: إن الاختلاف داخل الإدارة الأمريكية ليس “مؤامرة”، حيث إنها حقيقة واقعة لها تبعات على كافة القضايا بما فيها السياسة الخارجية. مشيرًا إلى أن متابعة التغيرات في مراكز الفكر واستنتاج العواقب بات أمرًا غاية في الصعوبة في عالم اليوم.