مؤتمرات الشباب.. مشروع قومي متكامل

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

شرفت بالمشاركة في منتدى الشباب العالمي الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر من العام الجاري 2019 لتكون بذلك مشاركتي الثالثة في مؤتمرات الشباب بصفة عامة، وذلك بعد المشاركة في المؤتمرين الأخيرين اللذين عُقدا في الأشهر السابقة، وهما المؤتمر السابع الذي عُقد في قاعة الماسة بالعاصمة الإدارية الجديدة في نهاية يوليو 2019، والمؤتمر الثامن الذي عُقد في قاعة المنارة بالقاهرة الجديدة في سبتمبر من نفس هذا العام.  وقد سعيت إلى الاجتهاد حتى أصل إلى جوهر جدوى هذه المؤتمرات وما هو العائد منها، وما هي نتائجها وانعكاساتها، سواء كانت مؤتمرات محلية (وطنية) أو عالمية. وقد…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

شرفت بالمشاركة في منتدى الشباب العالمي الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر من العام الجاري 2019 لتكون بذلك مشاركتي الثالثة في مؤتمرات الشباب بصفة عامة، وذلك بعد المشاركة في المؤتمرين الأخيرين اللذين عُقدا في الأشهر السابقة، وهما المؤتمر السابع الذي عُقد في قاعة الماسة بالعاصمة الإدارية الجديدة في نهاية يوليو 2019، والمؤتمر الثامن الذي عُقد في قاعة المنارة بالقاهرة الجديدة في سبتمبر من نفس هذا العام. 

وقد سعيت إلى الاجتهاد حتى أصل إلى جوهر جدوى هذه المؤتمرات وما هو العائد منها، وما هي نتائجها وانعكاساتها، سواء كانت مؤتمرات محلية (وطنية) أو عالمية. وقد وجدت نفسي أصل إلى نتيجة رئيسية مفادها أن كل ما يتعلق بسياسة الدولة تجاه الشباب أستطيع أن أدرجه دون مبالغة في قائمة ما يمكن أن نسميه بالمشروعات القومية الكبرى أو المتكاملة.

ولا شك أن الفكرة الرئيسية من وراء عقد هذه المؤتمرات انطلقت من القناعة الكاملة والصائبة لدى القيادة السياسية الحكيمة بأن الشباب هم بالفعل الأمل القادم وعماد المستقبل، وأنه قد آن الأوان للانتقال من مرحلة ترديد هذا المبدأ كشعار خطابي إلى مرحلة تحويله إلى حقيقة قائمة على أرض الواقع، وليس أدل على ذلك من ثلاثة عوامل أساسية: 

العامل الأول: يتمثل في الحضور والمشاركة الفعالة من جانب السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” في هذه المؤتمرات، وبرفقة سيادته أعضاء الحكومة، بالإضافة إلى مشاركة مميزة من الشباب وممثلي الأحزاب والقوى السياسية والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين ورجال الأعمال. 

العامل الثاني: يتمثل في الإعداد المسبق والمتميز لهؤلاء الشباب في أكاديميات وطنية متخصصة حتى يكونوا على القدر الملائم من التأهيل، ليتمكنوا من التعامل الجاد مع الواقع والقضايا المختلفة. 

العامل الثالث: يتمثل في طبيعة الموضوعات التي تناقشها هذه المؤتمرات، والتي تتسم بالتنوع والشمول لكافة القضايا التي تهم الشباب، والتي سوف يواجهونها مستقبلًا، بما في ذلك الموضوعات التي تساير طبيعة التطور التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم والتي تحظى باهتمام خاص من الشباب.

وإذا بدأت بالحديث عن مؤتمرات أو منتديات الشباب العالمية الثلاثة والتي انطلق أولها في نوفمبر 2017 فلا بد لي أن أقف عند المؤتمر الأخير الذي انطلقت أعماله في شرم الشيخ في الرابع عشر من ديسمبر، ولن أكون مبالغًا إذا ما أشدت بكل ما تضمنه من ترتيب، وتنظيم، وجدول أعمال، وموضوعات، ومناقشات، ونماذج شبابية متميزة، وتوصيات، وقرارات مهمة. وفي هذا المجال أشير إلى النقاط التالية: 

– أن مشاركة أكثر من سبعة آلاف شاب وشابة في هذا المنتدى، جاءوا من 164 دولة، هو أمر يعني الكثير بالنسبة لمصر، لا سيما وأنه يوجه رسائل مهمة إلى كل دول العالم بأن مصر دولة آمنة ومستقرة، وأنها قادرة على أن تكون نقطة انطلاق، بل وركيزة أساسية في تعظيم معنى القيم الإنسانية التي تتسع الجميع دون تمييز واحتواء مختلف الحضارات والثقافات، وأن تتآلف جميعها في بوتقة التسامح والمحبة مهما اختلفت الجنسيات والديانات، بالإضافة إلى تأهيل هؤلاء الشباب ونقلهم إلى آفاق أوسع في كافة المجالات. 

– أن هؤلاء الشباب سوف يكونون خير سفراء لمصر في دولهم لينقلوا إليها كافة الفاعليات التي تمت والتي رأيت بنفسي مدى تفاعلهم الحقيقي معها، وكم كانوا في قمة الامتنان لكل ما قدمته لهم مصر خلال أعمال المنتدى.

– أن هؤلاء الشباب ناقشوا باستفاضة العديد من القضايا شديدة الأهمية، وتعاملوا معها بجدية وموضوعية، وعلى رأسها قضايا التنمية المستدامة، والبيئة، والمناخ، وقضايا المرأة، والذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والأمن الغذائي، والتحديات التي تواجههم في المستقبل في مجال الأمن والسلم الدوليين.

– أن هناك العديد من النماذج الشبابية المميزة القادمة من دول مختلفة تقوم بنقل خبراتها وتجاربها إلى مصر ويتم الاستفادة منها، ويقوم السيد الرئيس بتكريم هذه النماذج الناجحة بنفسه، بمن فيهم ذوو القدرات الخاصة. ولا ننسى في هذا المجال برامج تأهيل الشباب الإفريقي للقيادة. 

– حضور العديد من القادة والممثلين الرسميين للعديد من دول العالم والمنظمات الدولية ليشهدوا بأنفسهم هذا الحدث الكبير، ويتفاعلوا مع شبابهم في تجربة فريدة، ويؤكدوا بمشاركتهم التميز في علاقاتهم بالدولة المصرية. 

– أن هناك العديد من القرارات المهمة التي أعلنها السيد الرئيس في نهاية الجلسة الختامية للمؤتمر ستكون لها تأثيرات إيجابية مستقبلًا، منها عقد شراكات مع المنتديات العالمية المهتمة بالشباب، وإنشاء مركز يهدف إلى دمج الشباب لإعادة إعمار الدول بعد النزاعات، وإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي.

وإذا انتقلت للحديث عن المؤتمرات الوطنية للشباب التي بدأت منذ عام 2016 فمن الإنصاف أن أؤكد أنها تنقل الشباب المصري إلى مرحلة جديدة من الاندماج في الدولة، والتفاعل مع قضاياها، والمشاركة الحقيقية في كل ما يتعلق باهتمامات الشباب واكتساب الخبرات المطلوبة تدريجيًّا. ولعل ما شهده المؤتمر السابع الذي عُقد في العاصمة الإدارية الجديدة في الثلاثين من يوليو 2019 من إقرار ما يسمى بنموذج محاكاة الدولة المصرية يُعد نموذجًا يحتذى به في تأهيل الشباب الذين قاموا بتكوين حكومة شبابية موازية تناقش بكل جرأة وموضوعية وشفافية والتزام كافة قضايا الدولة (الاستثمار، الطاقة، التنمية العمرانية، الصناعة، الإسكان، تقييم برامج الإصلاح الاقتصادي) في مواجهة مباشرة مع رئيس الوزراء المصري وأعضاء الحكومة التي تقوم بدورها بالرد على كل ما تطرحه حكومة الشباب وذلك في ظل حضور السيد الرئيس الذي يقوم سيادته بالرد أيضًا على كافة ما يُطرح خلال هذه الجلسات.

وفي الوقت نفسه، جاء التواصل المباشر والحوار المثمر القائم بين السيد الرئيس والشباب تتويجًا لإحدى أهم نتائج هذه المؤتمرات، حيث يتفاعل الشباب بصورة واضحة مع قائدهم، ويقوموا بتوجيه كافة الأسئلة والاستفسارات التي تشغل اهتماماتهم، ويقوم الرئيس بالرد عليها بكل صراحة ومصداقية وشفافية ووضع الشباب في الصورة الحقيقية لموقف بلادهم في كل ما يشغل الرأي العام. ولا شك أن مبادرة “اسأل الرئيس” تُعد نموذجًا ناجحًا في هذا المجال، حيث يقوم السيد الرئيس بشرح تفصيلي لكافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي يساهم في توعية الشباب والوقوف على كافة المخاطر والتهديدات التي تواجه بلادهم، وكذا طبيعة الإنجازات التي تحققها الدولة، وكيف يمكن أن يكون هؤلاء الشباب حائط صد قويًّا لحماية الدولة في مواجهة التطرف والعنف والإرهاب والشائعات. 

ومن المؤكد أن نتاج عملية تأهيل الشباب بدأت تؤتي ثمارها، خاصة من خلال ما تم مؤخرًا من تعيين العديد من الشباب في مراكز قيادية (نواب محافظين) بحيث سيكون هذا الأمر بداية جيدة لمزيد من انخراط الشباب في العمل الإداري والسياسي، وهي خطوة لا بد من الإشادة بقرار القيادة السياسية في هذا الشأن نظرًا لأنها تترجم بصدق هذا الجهد المبذول مع الشباب وكذا الجهد الذي يقوم به الشباب لاستيعاب قضايا بلدهم كمرحلة أساسية نحو أن يكونوا نواة صالحة لرفعتها وتقدمها. ولعلي أرى أن استكمال هذه المنظومة الرائعة يقتضي ضرورة مشاركة الشباب بفاعلية في الانتخابات المحلية القادمة كمرشحين وليس كناخبين فقط. 

وبالتالي، هناك العديد من النتائج الإيجابية الواضحة لمنتديات ومؤتمرات الشباب، ويظل الأمل قائمًا خلال المرحلة القادمة في تحقيق مطلبين رئيسيين؛ الأول هو مزيد من توسيع القاعدة الشبابية التي تشارك في هذه المؤتمرات حتى يكون تمثيلهم معبرًا عن كافة القطاعات الشبابية. والثاني، عقد هذه المؤتمرات في معظم محافظات مصر لتنضم إلى المحافظات الأخرى التي استضافت هذه المؤتمرات (القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية، أسوان التي أصبحت عام 2019 ملتقى الشباب العربي الإفريقي). ومن المؤكد أن السادة القائمين على تنظيم هذه المؤتمرات بوطنيتهم ووعيهم لا تغيب عنهم هذه المطالب، ويدركون أهميتها. ومن المؤكد أيضًا أنهم حريصون على إحداث مزيد من نجاح هذه المؤتمرات التي سوف تساهم في دعم الدولة المصرية داخليًّا وخارجيًّا وتصل بنتائجها إلى أن تكون مؤتمرات الشباب أحد أهم المشروعات القومية المتكاملة، حيث إن البناء الجيد للشباب يعني باختصار بناء الدولة القوية الناجحة التي يحرص عليها السيد الرئيس ونحرص جميعنا عليها.

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب