مرّت العلاقات العربية-الأوروبية بفترات ازدهار وانحسار على مدار التاريخ. ويربط بين الطرفين مجموعة من المصالح والقضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية المشتركة. وساهم البُعد الجغرافي في تعزيز وتوتر العلاقات في آن واحد، الأمر الذي يستدعي العمل المشترك من أجل تقريب وجهات النظر، وتعزيز العلاقات بينهما. ويمكن رصد المراحل التالية في تطور العلاقات العربية-الأوروبية: أولًا: العلاقات التجارية بدأت أولى مراحل التواصل العربي الأوروبي في سبعينيات القرن العشرين، مع إطلاق ما يسمى بالحوار العربي-الأوروبي إثر الأزمة البترولية، ثم إطلاق الشراكة الأوروبية المتوسطية (يوروميد) “عملية برشلونة” في نوفمبر 1995، التي استهدفت تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم المساعدات المالية والتقنية للدول الواقعة جنوب المتوسط، وذلك…
مرّت العلاقات العربية-الأوروبية بفترات ازدهار وانحسار على مدار التاريخ. ويربط بين الطرفين مجموعة من المصالح والقضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية المشتركة. وساهم البُعد الجغرافي في تعزيز وتوتر العلاقات في آن واحد، الأمر الذي يستدعي العمل المشترك من أجل تقريب وجهات النظر، وتعزيز العلاقات بينهما.
ويمكن رصد المراحل التالية في تطور العلاقات العربية-الأوروبية:
أولًا: العلاقات التجارية
بدأت أولى مراحل التواصل العربي الأوروبي في سبعينيات القرن العشرين، مع إطلاق ما يسمى بالحوار العربي-الأوروبي إثر الأزمة البترولية، ثم إطلاق الشراكة الأوروبية المتوسطية (يوروميد) “عملية برشلونة” في نوفمبر 1995، التي استهدفت تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم المساعدات المالية والتقنية للدول الواقعة جنوب المتوسط، وذلك في قطاعات اقتصادية متعددة، مثل: الصناعة، والنقل، والزراعة، والبيئة، والاتصالات.
وفي عام 2004، شهدت عملية برشلونة تطورًا جديدًا، وذلك لسد الفجوة بين الجانبين، مع توسع الاتحاد الأوروبي وضم دول جديدة، وذلك بإطلاق “سياسة الجوار”. ومع دخول هذه المرحلة تحوّلت عملية برشلونة إلى منتدى للحوار والتعاون متعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي وشركائه المتوسطيين.
وكان المستهدف خلال تلك المرحلة الوصول إلى إنشاء منطقة تجارة حرة عربية أوروبية بحلول عام 2010، إلا أنه بحلول عام 2008 وملاحظة فشل عملية برشلونة في تحقيق هذا الهدف، تم إطلاق “برنامج الشراكة الجديد: الاتحاد من أجل المتوسط”، الذي أطلق اتفاقيات التعاون من أجل تفعيل سياسات الجوار وتعزيز التنمية المستدامة. وضم الاتحاد من أجل المتوسط برامج في قطاعات عدة، مثل: المياه، والبيئة، والنقل، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والشئون الاجتماعية والمدنية، وتنمية الأعمال.
وتحظى العلاقات التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي بالنصيب الأكبر من التعاون، ويرجع ذلك لكونها مصدر الطاقة الأول للدول الأوروبية. وبدأت هذه العلاقات مبكرًا منذ الدخول في مفاوضات تجارية منذ عام 1988، وذلك بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والتوصل إلى اتفاق بشأن الوصول إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، والتحرير التدريجي للسلع والخدمات، حيث كانت هذه الدول لا تحظى بالوصول التفضيلي للأسواق الأوروبية، لكونها دولًا ذات دخل مرتفع، بحسب تصنيف البنك الدولي. وفي عام 2017، أطلق الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي حوارًا خُصص لقضايا التجارة والاستثمار وتعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. ومنذ 2014، أصبحت “الشراكة”، هي أداة التعاون بين الجانبين، والتي توفر إطارًا مشتركًا للتعاون في مجالات مختلفة، كالأمن، والاقتصاد، والتجارة، والتعليم، والثقافة، فضلًا عن حقوق الإنسان.
ويُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث شهدت العلاقات التجارية بينهما نموًّا ملحوظًا منذ عام 2006، إلا أنها شهدت تراجعًا في عام 2016 مقارنة بعامي 2015 و2014، في مقابل استمرار واردات دول المجلس في التزايد حتى عام 2015، ثم أخذت في التراجع عام 2016. لكن بشكل عام يُعد الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لكافة البلدان العربية. غير أن هناك تراجعًا ملحوظًا في حجم التبادل التجاري بين الجانبين منذ عام 2016، ويُعزَى ذلك -في جزءٍ منه- إلى تراجع أسعار النفط، إضافة إلى عدم توافر هيكل إنتاجي عربي تنافسي وفعّال. وعلاوة على ذلك، ساهمت التطورات السياسية والاجتماعية، التي تمر بها البلدان العربية، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي؛ في تقلص مستويات التبادل التجاري بين الجانبين. وفي عام 2016، جاءت الدول العربية في الترتيب الثاني للصادرات الأوروبية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الترتيب الخامس كمصدّر للاتحاد بعد الصين وروسيا والولايات المتحدة وسويسرا. وفي ذلك الجانب، يمكن للدول العربية أن تعيد تعزيز التعاون مع الجانب الأوروبي في المجال التجاري، وذلك في ضوء القيود التي تشهدها المفاوضات التجارية للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة.
والملاحظ لتاريخ وتطور العلاقات بين الجانبين، يرى أنها تتركز في جزء كبير منها على الجانب الاقتصادي دون غيره من جوانب العلاقات الأخرى. كما أنّ اتفاقيات الشراكة بين الجانبين، مثل عملية برشلونة، لم تحقق الهدف المرجوّ منها. وربما يرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن معظم هذه الاتفاقيات لم تراعِ الطموحات والتطلعات العربية، بقدر ما استهدف الاتحاد منها الحد من الهجرة غير الشرعية، والحفاظ على الأوضاع الأمنية في المنطقة. وتجسد ذلك في مواقف الاتحاد الأوروبي من الأوضاع الإقليمية التي تمر بها المنطقة العربية منذ 2011، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأهمية النسبية للقضايا الاقتصادية والتجارية لصالح القضايا الأمنية كالهجرة والإرهاب. وعزّز ذلك الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية منذ 2015.
ثانيًا: العلاقات الأمنية
أحرز الحوار الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية تقدمًا ملموسًا ينعكس في تطوير التعاون منذ إطلاقه في نوفمبر 2015، ولا سيما في مجالات: منع نشوب الصراعات، والإنذار المبكر، وإدارة الأزمات، والمساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك في إطار مجموعات العمل الخاصة المنوطة بمناقشة هذه الموضوعات. وقد أُطلقت أيضًا مجموعة عمل أخرى تتعلق بالهجرة، ما يدل على الاهتمامات الإقليمية المشتركة، نتيجة التحديات المشتركة التي يواجهها الجانبان بخصوص هذه التحديات. ورحّب ممثلو كلٍّ من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي باجتماع مجموعات العمل الست الذي عُقِد في إطار التعاون الاستراتيجي.
وفي إطار العلاقات الأمنية، حظي هذا الملف بأهمية كبيرة في إطار التحضيرات السابقة على أول قمة عربية-أوروبية، خاصة قضيتي الهجرة ومكافحة الإرهاب. لكن تجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين لم ينجحوا في تقديم أنفسهم ككتلة واحدة متماسكة في تقديم سياسات مشتركة وواضحة للدول العربية. وكان للانقسامات الراهنة داخل الاتحاد الأوروبي تأثيرها الواضح على الاستعدادات للقمة، حيث عجزت الدول الأوروبية عن التوقيع على إعلان سياسي مشترك في اجتماع بين وزراء الخارجية الأوروبيين والعرب في بروكسل في أوائل فبراير الجاري، وذلك على الرغم من الاتفاق العربي على مسودة القرار.
ثالثًا: أجندة القمة العربية-الأوروبية (24 – 25 فبراير 2019)
تمثل القمة استجابة سياسية للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. كما أنها فرصة ذهبية لتبادل الآراء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بهدف إحلال السلام، وخلق فرص العمل للشباب والمرأة، وضمان التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي الدائم في المنطقة.
وتعد القمة هي الأولى من نوعها على مستوى القادة، وهو ما يبرر توالي التصريحات وردود الأفعال والتوقعات التي تدور حول فعالياتها والأجندة المقرر طرحها أمام الأطراف المشاركة، والتي تتوزع على قائمة واسعة من القضايا، تشمل:
1- قضايا إقليمية: وتشمل الصراع العربي الإسرائيلي، والأزمات السورية والليبية واليمنية، سيما وأنه من المتوقع أن تقترح بعض الدول تشكيل لجنة دولية لصياغة الدستور السوري.
وبالإشارة إلى الصراع العربي-الإسرائيلي، أكدت سفيرة لاتفيا بالقاهرة أنه لا يوجد حل بديل أو حل أفضل من حل الدولتين، وأن تُجرى مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين مع احترام مصالح كلا الجانبين. مشيرة إلى أن بلادها لن تقوم بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.
2- قضايا دولية: مثل تغير المناخ، وأجندة 2030 للتنمية، والهجرة، ومكافحة الإرهاب، والتطرف.
3- القضايا العربية الأوروبية المشتركة: حيث من المتوقع أن يتم التركيز على التعاون العربي-الأوروبي في مجالات التجارة والاستثمار، والتعليم، والتنمية الاجتماعية والتكنولوجية.