لم تعد الأزمة الداخلية في إسرائيل خافيةً على أيٍّ من المتابعين والمهتمين بالشأن الإسرائيلي، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تقديم موعد الانتخابات العامة. ولذا من الضروري إلقاء الضوء على بعض الجوانب المرتبطة بهذه الأزمة أوجزها فيما يلي:
الجانب الأول: أن الانتخابات العامة في إسرائيل من المقرر إجراؤها رسميًّا في نوفمبر 2019، أي بعد حوالي عام، وهو ما يعني أن حكومة “نتنياهو” قد نجحت في الصمود لمدة ثلاث سنوات، ومن المعروف أن الحكومات الإسرائيلية لا تُكمل مدتها في الغالب، وبالتالي فإن تقديم موعد الانتخابات لا يُعد أمرًا مستغربًا، ولا يمكن اعتباره أزمة بالمعنى المتعارف عليها.
الجانب الثاني: أن هذه الأزمة كشفت أن الأسماء المطروحة لتولي منصب وزير الدفاع بعد استقالة “ليبرمان” تركزت بشكل رئيسي في “نفتالي بينيت” (زعيم حزب البيت اليهودي) وهو من أكثر الشخصيات تطرفًا، حيث يمكن اعتبار كل من “ليبرمان” و”نتنياهو” شخصيتين معتدلتين مقارنة بشخصية “بينيت”، ولذلك فقد سعى “نتنياهو” للاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع لنفسه حتى يكون أكثر سيطرة على أية قرارات أمنية حاسمة، لا سيما في مواجهة قطاع غزة.
الجانب الثالث: أن مسألة تقديم موعد الانتخابات العامة لا ترتبط بالأحداث في قطاع غزة كما حاولت وسائل إعلام حمساوية الترويج لذلك، ولكنها ترتبط بالتنافس الداخلي وحرص “ليبرمان” على تحسين موقفه وحزبه في الانتخابات القادمة، خاصة وأن خلافاته مع “نتنياهو” متعددة وقديمة رغم شراكته في الائتلاف.
ومن الواضح أن “نتنياهو” لا يحبذ فكرة الانتخابات المبكرة، ويسعى بكل الوسائل لوأد هذا التوجه، أملًا في أن يمهد الطريق بصورة أكثر ترتيبًا وتنسيقًا أمام نجاحه في الانتخابات إذا أُجريت في موعدها المقرر، لا سيما وأنه قد حقق لإسرائيل العديد من المكاسب خلال فترة حكمه، والتي من أهمها تحسين علاقاته العربية والتي كان آخرها زيارته لسلطنة عمان، وكذا زيادة التقارب الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، وخاصة في قضيتي القدس واللاجئين، ثم الملف الإيراني الذي وصل إلى مرحلة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران وما ترتب عليه من سياسات أمريكية أكثر حزمًا وعنفًا تجاه إيران، ومن ثمّ فإنه من الأفضل لنتنياهو مواصلة إنجازاته، ومواجهة أية متغيرات سياسية أو أمنية أو اقتصادية في المرحلة القادمة وهو في حكومة عادية حتى وإن كانت حكومة أقلية وليست حكومة انتقالية.
ومع حرص “نتنياهو” على عدم تقديم موعد الانتخابات، إلا أنه لا يزال يمتلك القدرة على الفوز في الانتخابات القادمة إذا ما اضطرته الظروف لتقديمها في أي وقت رغم كافة المشاكل التي يواجهها، سواء قضايا الفساد التي تلاحقه وأسرته من حين لآخر، أو الغضب الذي يصبّه عليه سكان ما يُسمى بغلاف غزة واتهامهم له بالإهمال في توفير الحماية لهم من الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة صوبهم.
ولا يزال “نتنياهو” حتى الآن يمثل الشخصية الأكثر شعبية لدى الناخب الإسرائيلي اليميني لتولي رئاسة الوزراء في أية حكومة قادمة، كما أن حزبه (الليكود) لا يزال يحظى بالنسبة الأكبر في عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها مقارنة بالأحزاب الأخرى.
وحتى إذا فرضنا جدلًا اختفاء “نتنياهو” من الساحة السياسية الإسرائيلية لأية أسباب، فمن المؤكد أن اليمين واليمين المتطرف سيكونان هما البديل الأمثل لدى المواطن الإسرائيلي، خاصة مع عدم قدرة ما يُمكن أن نسميه مجازًا يسار الوسط “يائير لبيد” أو اليسار “آفي جاباي” أو اليمين الأقل تشددًا “تسيفي ليفني”، على أن يطرح نفسه كبديل يدفع الناخب الإسرائيلي إلى الوثوق بهم في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل حاليًّا، أو في قدرتهم على كسب مزيدٍ من العلاقات على المستويين الإقليمي والدولي.
ومن المهم -في هذا السياق- التعرض بصورة سريعة لطبيعة العلاقة أو التعامل بين “نتنياهو” وحكومته تجاه قطاع غزة، وفي هذا المجال أُشير إلى أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي استمرار حكم وسيطرة “حماس” على قطاع غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وهو أكبر مبرر لعدم تقديم أية تنازلات في عملية السلام، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل تحرص على عدم الخوض في حرب رابعة تجاه القطاع حتى لا تتعرض لخسائر نسبية أو محدودة قد تؤثر على وضعية “نتنياهو”، خاصة خطف جنود آخرين، بينما تعد العمليات المتتالية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد القطاع، وخاصة ضد مؤسسات “حماس” و”الجهاد”، أمرًا كافيًا في الحدود التي يرسمها أو يرتضيها “نتنياهو” ومؤسسته الأمنية والعسكرية ما دامت الخسائر التي تسببها الصواريخ القادمة من القطاع مستوعبة ولا تخرج عن هذا الإطار المرسوم.
ونأتي للنقطة الأخيرة المرتبطة بموقف مصر من الأزمة الداخلية الإسرائيلية، سواء تم تقديم موعد الانتخابات أو لم يتم، إذ لا شك أن المطلوب لا يتعدى أهمية متابعتها بدقة دون التعليق عليها باعتبارها شأنًا إسرائيليًّا داخليًّا. ويظل هدفنا الرئيسي هو الحفاظ على ما أسميه بالحدود الآمنة في العلاقة مع إسرائيل، سواء مع الحكومة الحالية أو أية حكومة قادمة، في الوقت الذي لا بد فيه من مواصلة تحركنا الناجح في مجال التهدئة لتقييد حركة إسرائيل في شن حرب جديدة على غزة حتى لا تتأثر إجراءاتنا الأمنية على حدودنا مع القطاع أو على الأمن في سيناء.
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية