مصر وبناء توافق عالمى للمناخ

خبير الشؤون الامريكية والدولية

يكتسب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ فى شرم الشيخ (كوب ٢٧) الذى انطلق أمس، أهمية كبيرة من حيث المكان والتوقيت ومن حيث المضمون والمخرجات. فانعقاد المؤتمر يعكس التقدير والثقة العالمية الكبيرة فى مصر والأهمية الاستراتيجية لها كدولة بارزة فى منطقة الشرق الأوسط، ويعكس كذلك الرهان العالمى على الدور المصرى فى بناء توافق عالمى لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وتقديمها نموذجا عملياً على أرض الواقع يحتذى به من جانب الدول الأخرى، خاصة النامية، وذلك وفق استراتيجية شاملة تتبناها الدولة وترتكز على عدة محاور، أولها: تقليل الانبعاثات الكربونية، ومصادر التلوث والتوسع فى الاقتصاد الأخضر والهيدروجين الأخضر، ومصادر الطاقة النظيفة المتمثلة فى الطاقة المتجددة مثل…

د. أحمد سيد أحمد
خبير الشؤون الامريكية والدولية

يكتسب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ فى شرم الشيخ (كوب ٢٧) الذى انطلق أمس، أهمية كبيرة من حيث المكان والتوقيت ومن حيث المضمون والمخرجات. فانعقاد المؤتمر يعكس التقدير والثقة العالمية الكبيرة فى مصر والأهمية الاستراتيجية لها كدولة بارزة فى منطقة الشرق الأوسط، ويعكس كذلك الرهان العالمى على الدور المصرى فى بناء توافق عالمى لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وتقديمها نموذجا عملياً على أرض الواقع يحتذى به من جانب الدول الأخرى، خاصة النامية، وذلك وفق استراتيجية شاملة تتبناها الدولة وترتكز على عدة محاور، أولها: تقليل الانبعاثات الكربونية، ومصادر التلوث والتوسع فى الاقتصاد الأخضر والهيدروجين الأخضر، ومصادر الطاقة النظيفة المتمثلة فى الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية التى تحظى فيها مصر بميزة نسبية كبيرة لسطوع الشمس على البلاد طوال العام وهو ما يؤهلها لأن تكون مصدرا إقليميا للطاقة الشمسية، كما تعكسه المحطات الكبيرة التى توسعت فيها الدولة مؤخرا مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية فى أسوان، كذلك التوسع فى طاقة الرياح والطاقة الكهربائية والطاقة النووية وغيرها.

وثانيها: إن مصر تدافع عن دول الشرق الأوسط وإفريقيا فيما يتعلق بمواجهة أثار التغيرات المناخية التى أثرت بشكل كبير عليها مع تزايد الجفاف وشح الأمطار والتصحر، وهو ما انعكس على تراجع معدلات إنتاج الغذاء، وذلك من خلال تشجيع الدول النامية على تقليل الانبعاثات الحرارية ومصادر التلوث، وفى ذات الوقت حشد دعم الدول الكبرى والغنية لمساعدة الدول النامية على مواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية من خلال الالتزام بتقديم مبلغ مائة مليار دولار سنويا والذى أقرته مؤتمرات المناخ السابقة، وآخرها مؤتمر جلاسجو، ولم تنفذها الدول المتقدمة المسئول الأول عن الانبعاثات الحرارية وارتفاع درجة حرارة الأرض، كذلك تقديم المساعدات التقنية والتكنولوجية للدول النامية لتقليل آثار الانبعاثات والتوسع فى الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة، وهذا النهج فى الدفاع عن إفريقيا تتبناه مصر فى كل المحافل والمؤتمرات الدولية السابقة وكذلك سوف تطرحه فى مؤتمر شرم الشيخ. كما أن استضافة مصر المؤتمر يعكس قدرتها التنظيمية واللوجستية العالية فى تنظيم مؤتمر دولى مهم يشارك فيه أكثر من ١٢٠ رئيسا وملكا ورئيس وزراء من الدول المختلفة، مما يمثل ترويجا للسياحة فى مصر.

ومن حيث التوقيت ينعقد كوب ٢٧ فى شرم الشيخ وسط استقطاب حاد فى النظام الدولى بين القوى الكبرى سواء بين أمريكا والغرب وروسيا وحلفائها على هامش الحرب الروسية – الأوكرانية، أو بين أمريكا، والصين على هامش قضية تايوان، وهو ما أثر سلبيا على مفهوم العمل الجماعى الدولى بين القوى العالمية لمواجهة آثار التغيرات المناخية، فقد علقت الصين قنوات الاتصال بينها وبين أمريكا فيما يتعلق بالمناخ وذلك على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى تايوان.

كما ان الثقة مفقودة بين روسيا والغرب بسبب حرب أوكرانيا. هذا الاستقطاب الدولى أدى لتداعيات سلبية وأضعف من إمكانية بناء تحالف عالمى لتقليل الانبعاثات الحرارية، التى تمثل تهديدا عالميا للسلم والأمن الدوليين، نظرا لأن ضحايا التغيرات المناخية لا تقل عن ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، كما أنها تهدد كل الدول وكل القارات وكل مناطق العالم، ولا يمكن لدولة بمفردها، مهما تكن قدراتها، أن تواجه ظاهرة التغيرات المناخية، وهو ما يتطلب تضامناً عالميا وتحركا جماعيا دوليا وفق استراتيجية شاملة. يضاف إلى ذلك تغليب الدول الصناعية الكبرى مصالحها الوطنية على حساب المصلحة العالمية، حيث ما زالت تلك الدول تعتمد على مصادر الطاقة الملوثة مثل الفحم الحجرى وغيرها فى الصناعة، خاصة أن أزمة الطاقة العالمية الحالية بسبب حرب أوكرانيا دفعت دولا عديدة فى أوروبا وآسيا للعودة لاستخدام الفحم.

ومن حيث المخرجات فإن مؤتمرات المناخ السابقة أصدرت قرارات عديدة بشأن التزامات الدول المختلفة، خاصة الدول الكبرى الصناعية، فيما يتعلق بتقليل الانبعاثات الكربونية خلال فترات زمنية محددة أو بشأن الالتزام بمساعدة الدول النامية والفقيرة، وهو ما لم يحدث، وذلك لغياب آلية دولية محددة، تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، للمتابعة والمراقبة وإجبار الدول المختلفة على الوفاء بالتزاماتها وفرض عقوبات على الدول غير الملتزمة، وهذا شجع الدول الغنية على التقاعس عن التزاماتها.

وبالتالى فى ظل هذه المعطيات والتحديات المختلفة تبرز أهمية مؤتمر شرم الشيخ والدور المصرى الذى يقود تيارا دوليا لتحقيق توافق عالمى حول المناخ، وذلك عبر التوصل إلى قرارات قابلة للتطبيق، كما أكد الرئيس السيسى، وأن تلتزم بها الدول المختلفة، خاصة الدول الصناعية، فى إطار تحقيق العدالة المناخية، من أجل إنقاذ كوكب الأرض، لأنه إذا استمرت معدلات ارتفاع درجة الحرارة بهذا المستوى واستمر التقاعس الدولى، فإن الحياة على الأرض مهددة بشكل خطير خاصة مع انتشار حرائق الغابات فى أوروبا وأمريكا اللاتينية وتصاعد خطر السيول والأعاصير، كذلك ارتفاع معدلات التصحر والجفاف مع شح الأمطار خاصة فى إفريقيا، وكلها تمثل جرس إنذار لكل الدول وتدفع إلى ضرورة الارتقاء إلى مستوى المسئولية العالمية والتحرك بشكل عملى، وفقا لخريطة طريق محددة الأهداف والآليات، لتقليل درجة حرارة الأرض وتبنى استراتيجية التوسع فى الطاقة النظيفة، وهو ما يعكس أهمية مؤتمر شرم الشيخ كمرحلة فارقة فى مسار المواجهة العالمية للتغيرات المناخية.

نقلا عن جريدة الاهرام الأثنين 7 نوفمبر 2022

د. أحمد سيد أحمد
خبير الشؤون الامريكية والدولية