بداية يجب أن أشير إلى أنه لايمكن لأى إنسان وطنى أن يتجاهل الوضع الحالى الذى يشهد مدى تطور الدولة المصرية فى كافة المجالات، وكيف إنتقلت مصر بنجاح منقطع النظير من مرحلة الدولة الهشة التى كانت السمة السائدة إبتداء من أحداث يناير 2011 إلى مرحلة الدولة القوية المستقرة التى بدأت معالمها واضحة منذ عام 2014 ولازالت جهود بناء الدولة الحديثة وترسيخ أعمدتها مستمرة على قدم الوساق حتى الآن .
لاشك أن تقييم طبيعة الوضع الحالى يفرض علينا أن نتحدث أولاً عن موقف القيادة السياسية وكيف تحركت خلال المرحلة السابقة والطموحات التى تهدف إلى تحقيقها، وفى هذا المجال أشير إلى المحددات الرئيسية التالية : –
المحدد الأول : أن الشعب المصرى هو الذى إختار قيادته السياسية بإرادة حرة كاملة منذ عام 2014 قناعة منه أن هذه هى القيادة المؤهلة للحفاظ على أمن وسلامة وإستقرار البلاد خاصة فى ضوء حالة السيولة التى إتسمت بها أوضاع الدولة والعمليات الإرهابية التى إجتاحت ربوع مصر فى هذه المرحلة وكادت تسقط الدولة الأمر الذى دفع السيد/ الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى التجاوب مع هذا المطلب الشعبى بشجاعة ودون أى تردد .
المحدد الثانى : أن القيادة السياسية قررت منذ اليوم الأول لتوليها السلطة فى أن يكون عنوان المرحلة القادمة هو العمل والجهد المضنى من أجل أن تنتقل مصر إلى مصاف الدول الكبرى ولكن بشرط أن يكون الجميع على إستعداد لتقديم التضحيات المطلوبة فى إطار ما يسمى بالمسئولية الجماعية .
المحدد الثالث : أن القيادة المصرية راهنت على العنصر الرئيسى والأهم الذى سوف يساعدها على تحمل المسئولية وتحقيق الأهداف المرجوة لمستقبل أفضل لمصر وأقصد بهذا العنصر الشعب المصرى الذى سوف يظل بمثابة السند الأساسى ليس فقط للسيد / الرئيس ولكن أيضاً لإستقرار الدولة كلها .
المحدد الرابع : أن القيادة السياسية تحركت فى مسارات متوازية من أجل تحقيق التنمية المطلوبة حيث إشتملت هذه المسارات على المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية والإجتماعية والأمنية كلها فى آنٍ واحد حيث أن حالة الدولة فى هذا التوقيت كانت تتطلب هذا النهج أما إتباع أية سياسة أخرى لم يكن يجدى أو يساعد الدولة على أن تقف على قدميها مرة أخرى .
وفى الوقت الذى لابد أن نعترف فيه بكل صراحة أن لدينا مشكلة أو أزمة إقتصادية إلا أنه فى نفس الوقت من الإنصاف أن نشير إلى مسببات هذه الأزمة والجهود التى بذلتها الدولة لمواجهتها، وهو ما يمكن إيضاحه من خلال العناصر التالية : –
العنصر الأول : أن الدولة المصرية خرجت من أحداث 2011 و2013 وهى متخمة بالعديد من المشكلات الإقتصادية التى لا حصر لها ويكفى هنا أن نضرب مثالاً واحداً وهو أن خسائر العمليات الإرهابية فى مصر خلال هذه الفترة وصلت إلى حوالى477 مليار دولار، وهو الوضع الذى كان لابد معه أن تتخذ الدولة قرارات إقتصادية صعبة وتلجأ إلى صندوق النقد الدولى وتضع خطة إصلاح إقتصادى متكاملة بهدف أن تخرج من عنق الزجاجة .
العنصر الثانى : أن جائحة كورونا التى هاجمت العالم فى بداية عام 2020 جاءت فى وقت كان الإقتصاد المصرى قد بدأ فى التعافى إلا أن هذه الجائحة أثرت بالسلب على مسار التنمية ليس فى مصر وحدها ولكن على مستوى أقوى إقتصاديات العالم .
العنصر الثالث : أنه مع بدء التعافى النسبى من تأثيرات جائحة كورونا بدأت الحرب الروسية / الأوكرانية فى فبراير من العام الحالى 2022 وبالتالى أضافت هذه الحرب العديد من الأعباء على الإقتصاد المصرى وكذا على إقتصاديات الدول الكبرى المعروفة بقوة إقتصادها مثل ألمانيا .
وفى الجانب المقابل لم تقف الدولة المصرية موقف المتفرج من هذه المشكلات الإقتصادية التى إجتاحت العالم وتأثرت بها البلاد حيث إتجهت الدولة إلى معالجتها من خلال إتخاذ العديد من القرارات الإقتصادية وبرامج الحماية الإجتماعية والصحية وهو الأمر الذى كان عاملاً إيجابياً فى تقليل حجم التأثيرات السلبية الناجمة عن هذه المشكلات وبما ساعد على الإستمرار فى تنفيذ المشروعات القومية على مستوى الدولة كلها مثل ( العاصمة الإدارية – بناء المدن الجديدة – تحديث البنية التحتية – القضاء على العشوائيات – إنشاء عشرات الجامعات الجديدة – إستصلاح الأراضى وزراعة القمح – مشروعات توطين الصناعة – مشروع حياة كريمة ) بالإضافة إلى ما شهدته الدولة من رفع معدلات النمو الإقتصادى بشهادة أهم المؤسسات الدولية رغم كافة هذه الظروف المعاكسة.
من الضرورى أن أشير أيضاً إلى أن الدولة المصرية أصبح لها تأثير واضح فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتعمل مع المجتمع الدولى من أجل التوصل إلى حلول سياسية لهذه القضايا إنطلاقاً من قناعة القيادة السياسية بأن إستقرار المنطقة سوف يساعد بشكل مباشر فى عمليات التنمية الشاملة التى تقوم بها الدولة، ومن ثم فإن التوجه المصرى لدعم العلاقات مع جميع الدول سوف يكون عاملاً هاماً فى تحسين الإقتصاد المصرى خلال المرحلة القادمة، ولاشك أن مؤتمر المناخ COP 27 المقرر عقده فى مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 7 حتى 18 من نوفمبر المقبل بحضور حوالى 197 دولة يعد أحد الدلائل على الوضعية المميزة التى وصلت إليها الدولة المصرية حالياً .
وفى رأيى أن الفترة القادمة تمثل أهمية خاصة للدولة المصرية، ومن ثم أرى أهمية أن يتم الأخذ فى الإعتبار العوامل الرئيسية التالية : –
العامل الأول : القناعة التامة بأن الدولة المصرية أقوى وأعظم من أية مهاترات داخلية أو خارجية أياً كانت طبيعتها أو مصدرها حيث أن الدولة التى نجحت فى القضاء على الإرهاب وإنطلقت بكل قوة إلى عصر الجمهورية الجديدة قادرة بإذن الله على إستكمال مسيرتها الناجحة دون أن تلتفت إلى أى معاول للهدم .
العامل الثانى : بالرغم من أن هناك تقديراً وإستحساناً واضحاً على المستوى الإقتصادى للإجراءات التى تم إتخاذها مؤخراً وخاصة بالنسبة لتحرير سعر الصرف إلا أن هناك مسئولية كبيرة تقع على الدولة فى ضرورة تشديد الرقابة لضبط الأسعار التى ترتفع بدون مبرر سوى جشع البعض، ومن ثم لابد أن تكون قبضة الدولة قوية للغاية فى مواجهة المتلاعبين بالأسعار الذين لا تقل خطورتهم عن خطورة كل من يسعى إلى تخريب الدولة والتحريض عليها.
العامل الثالث : أهمية أن يكون هناك مزيداً من اليقظة الأمنية خلال الفترة المقبلة مقارنة بأى فترة سابقة حيث أن النجاحات التى تحققها الدولة يمكن أن تدفع بعض الأطراف إلى محاولة الإساءة إلى صورة وإستقرار مصر، وفى هذا الشأن يجب أن أسجل كل التقدير والتحية والإمتنان للقوات المسلحة والشرطة على كل الجهد المبذول للحفاظ على أمن الوطن والمواطن .
العامل الرابع : لازالت هناك حاجة ملحة للغاية أن يقوم الإعلام المصرى بمخاطبة المواطن المصرى البسيط وليس فقط المفكرين والمثقفين والفنانين ورجال الأعمال – مع تقديرى للجميع – حيث أن هذا المواطن البسيط لايهمه سوى أن يجد السلع الأساسية التى يحتاجها بأسعار مناسبة دون أن يبحث عن المعنى العلمى للتعويم أو مفهوم سلة العملات، ومن المؤكد أن تفهم المواطنين البسطاء للقرارات التى تتخذها الدولة وتأثيرات المتغيرات الدولية على البلاد سوف يكون له الأثر الإيجابى فى أن يكونوا خير دعم للدولة وإستقرارها .
العامل الخامس : أهمية إستمرار برامج الحماية الإجتماعية مع تطويرها كل فترة من أجل أن تتمشى مع تطور حالة الأسواق وأسعار السلع الأساسية، وهنا أود أن أسجل أيضاً كل تقديرى لحزمة القرارات الأخيرة التى أعلن عنها السيد / رئيس الوزراء يوم 26 أكتوبر بتكليف من السيد/ الرئيس السيسى والتى تقرر أن يتم تطبيقها على الفور وهى فى مجملها سوف تكلف الدولة 67 مليار جنيه .
وفى النهاية فمع تسليمنا بأن هناك مشكلات لازالت تعانى منها الدولة المصرية وهو أمر طبيعى فى ظل الظروف الدولية المؤثرة على الجميع، إلا أنه من المؤكد أن لدينا قيادة سياسية نجحت فى أن تضع مصر على المسار الصحيح فى كافة المجالات السياسية والعسكرية والإجتماعية، أما فى المجال الإقتصادى وهو العامل الأهم خلال الفترة الراهنة فلاشك أن الجهد الذى بذلته الدولة مؤخراً وظهرت بعض نتائجه الإيجابية فى المؤتمر الإقتصادى الذى عقد يوم 23 أكتوبر ثم الملتقى الدولى الأول للصناعة الذى عقد يوم 29 أكتوبر والتسهيلات التى تم تقديمها للمستثمرين مع السعى الجاد لإنجاح توطين الصناعة فى مصر خير مثال على أن المستقبل القريب سوف يكون بإذن الله مبشراً للشعب المصرى العظيم وسوف تعود الدولة المصرية لتحتل مكانتها الطبيعية فى عالم الأقوياء، وأن كل مانحتاجه حالياً مزيداً من العمل الجاد والتضافر الشعبى من أجل دعم الدولة والحفاظ على إستقرار البلاد .
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية