الحوار السياسى .. وضرورة أن يكون حواراً وطنياً

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

قد يكون عنوان مقالي هذا ( الثالث حول الحوار ) غريباً بعض الشئ بإعتبار أنه من البديهى أن  الحوار الوطني المزمع عقده خلال الفترة القادمة سوف يكون حواراً وطنياً، إلا أنني تعمدت أن يكون العنوان على هذا النحو من قبيل التأكيد على أن أي حوار مثمر وإيجابى وناجح يجب أن يؤسس على أرضية وطنية صلبة، وأن ينطلق من فكرة الوطن وكيفية حمايته والحفاظ عليه ودعم مقدراته مهما كان حجم الإختلاف فى وجهات النظر بين المتحاورين أما ما دون ذلك فإن الحوار سوف يكون حواراً ضيق الأفق محدود التطلعات قليل النتائج يعبر فقط عن مطالب معينة ولا يتسع ليشمل ضرورات العمل…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

قد يكون عنوان مقالي هذا ( الثالث حول الحوار ) غريباً بعض الشئ بإعتبار أنه من البديهى أن  الحوار الوطني المزمع عقده خلال الفترة القادمة سوف يكون حواراً وطنياً، إلا أنني تعمدت أن يكون العنوان على هذا النحو من قبيل التأكيد على أن أي حوار مثمر وإيجابى وناجح يجب أن يؤسس على أرضية وطنية صلبة، وأن ينطلق من فكرة الوطن وكيفية حمايته والحفاظ عليه ودعم مقدراته مهما كان حجم الإختلاف فى وجهات النظر بين المتحاورين أما ما دون ذلك فإن الحوار سوف يكون حواراً ضيق الأفق محدود التطلعات قليل النتائج يعبر فقط عن مطالب معينة ولا يتسع ليشمل ضرورات العمل الوطنى ككل أي بمعنى آخر يفرغ الحوار عن مضمونه .

ومن الطبيعى عندما أتحدث عن الوطن فإنني أتحدث بالقطع عن الدولة المصرية الحضارية العظيمة العريقة التى أثبتت على مدار التاريخ أنها دولة قوية راسخة نجحت في قهر كافة الصعاب والتحديات التي واجهتها فى كافة المراحل ولازالت تجاهد بكل صدق من أجل أن تتبوأ مكانتها ووضعيتها التي تستحقها فى هذا العالم الذى لا يعترف إلا بلغة القوة والمصالح الدائمة ، ومن هنا فإن الحوار القادم يعد تعبيراً واضحاً عن مدى قوة الدولة ورغبتها فى أن يشارك الجميع بشكلٍ أو بآخر فى عملية إستكمال البناء والتقدم والتنمية غير المسبوقة .

 وعندما أتحدث عن الحوار المرتقب فإنى أقف كثيراً عند نقطة معينة وأطالب كل المهتمين بموضوع الحوار أن يعودوا إليها وأقصد هنا المرجعية الرئيسية التى تمثل جوهر الحوار والتى عبر عنها السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى عنما أطلق سيادته الفكرة بتكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة ، ولعل هذه هى المرجعية التي يجب أن ترافقنا خلال كافة مراحل الحوار .

 وفي رأيى أن هذه الكلمات الواضحة التى تحدث بها السيد / الرئيس تمثل جوهر فكرة الحوار وتحديداً بالنسبة لطبيعة الأطراف المشاركة فيه ومبدأ الأولويات، بينما ترك سيادته الإجراءات الخاصة بالحوار والتفصيلات المتعلقة بأولويات العمل الوطنى وقضاياه المتعددة من أجل أن يتوافق عليها ممثلو التيارات الذين سوف يقدمون إقتراحاتهم ورؤاهم بشأن موضوعات الحوار ومساراته وكافة النواحي المرتبطة به، وأعتقد أن هناك حراكاً جارياً  في هذا الشأن للتوافق على كافة هذه الأمور .

 وما يهمني هنا أن أقرر حقيقة قد تكون غائبة بعض الشئ أو غير واضحة للبعض ولكن من المهم الإشارة إليها وهى أن الحوار المزمع ليس بين الدولة والقوى السياسية ولكنه سوف يكون بين الأحزاب والتيارات السياسية والشبابية بمختلف توجهاتها تحت إشراف جهة أو لجنة محددة تديره من البداية حتى النهاية وذلكبهدف التوافق على أولويات العمل الوطنى ، ثم يتم فى مرحلة تالية عرض النتائج التي يتم التوصل إليها على القيادة السياسية التى يمكن أن تشارك فى المراحل النهائية للحوار وستكون هى المسئولة عن إتخاذ القرار المناسب لتنفيذ التوصيات التي تراها ضرورية .

 وبالتالي ففي رأيي أن أطر هذا الحوار تتمثل في ثلاثة أطر رئيسية الإطار الأول تلك الإجتماعات التى سوف تتم بين التيارات السياسية بعضها البعض لبحث أولويات العمل الوطنى وتطرح خلالها وجهات النظر المختلفة  بشأن معالجة القضايا التى سيتم بحثها ، والإطار الثانى هو مجموعة التوصيات التى سيتم التوصل إليها وتحظى بالتوافق بين المشاركين فى الحوار ، أما الإطار الثالث فيتمثل فى الدور الذى ستقوم به الدولة تجاه التوصيات التى سترفع إليها ويتم تنفيذها طبقاً لرؤية وحاجة الدولة إليها بحيث تقوم كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية بالدور المنوط بكل منهما سواء من خلال سن التشريعات المطلوبة أو إتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع ما يتم التوافق عليه موضع التنفيذ .

 وفى نفس الوقت يجب أن يأخذ الجميع فى الإعتبار أن العلاقة بين الدولة والتيارات والقوى السياسية المختلفة هى علاقة تكاملية ولايمكن أن تكون فى يومٍ من الأيام علاقة صراع أو نزاع فالجميع يعيش فى وطن واحد يتعرض لنفس المخاطر ويواجه نفس التحديات ويرنو إلى المستقبل الأفضل ، وبالتالى فإن هذا الحوار سوف يكون مفتوحاً لمناقشة كافة القضايا الرئيسية التى تهم الدولة المصرية والتى ستطرح خلالها التيارات السياسية رؤاها بكل حرية إزاء هذه القضايا .

 ومهما كانت هناك إختلافات طبيعية ومتوقعة فى الرؤى فإننى على يقين بأن مساحات التوافق ستكون لها الغلبة حيث أن لدينا قيادة سياسية وطنية تحقق الإنجازات ولاهم لها سوى العمل الجاد والكد المتواصل من أجل بناء الدولة المصرية الحديثة ، ومن هنا فإنى أطالب الجميع أن يدخل هذا الحوار بعقل منفتح ونوايا حسنة ورغبة أكيدة فى النجاح  ، وأنا على يقين تام بإذن الله بأن النجاح سيكون هو العنوان الرئيسى للحوار من وقت إنطلاقه وحتى إختتام أعماله .

 وهنا لابد أن أشير إلى أن الحوار الوطنى وهو يتجه إلى دعم مستقبل الدولة المصرية لايمكن ولا يصح أن يرتهن ببعض المطالب الفئوية حتى وإن بدت مهمة للبعض ، حيث أن الدولة المصرية التى تعيش فى وسط هذا العالم المتأزم تحاول قدر المستطاع أن تحد من تأثيرات هذه الأزمات الإقليمية والدولية المتتالية على وضعها الداخلى وتسعى بإستمرار إلى دعم عملية البناء الداخلى والخارجى أخذاً فى الإعتبار ما آلت إليه مصائر دول كثيرة سقطت فى مستنقع الخلافات والصراعات والمصالح الشخصية والحزبية والمشكلات الداخلية ومن غير المتصور أن هذه الدول سوف تخرج من أزماتها فى المدى المنظور .

 وفى هذا المجال لا أطالب أحداً من الذين سوف يشاركون فى الحوار أن يكون سلبياً بل من الضرورى أن يكون إيجابياً وفاعلاً ومتفاعلاً ولكن عليه أن يضع مصلحة الدولة نصب عينيه على الدوام حيث أن الدولة سوف تظل فى حاجة إلى جهود جميع أبنائها فى الداخل والخارج ودعمهم لها سواء من خلال الحوارات أو المؤتمرات أو الندوات أو غيرها مع قناعتى الكاملة بأن كلمة السر فى قوة الدولة المصرية تتمثل فى أنها دولة تتسع للجميع .

 وهنا أود أن أضرب مجرد مثالاً لما يجرى حالياً من بعض المناقشات التى يتم التعبير عنها حالياً فى وسائل الإعلام حيث من الملاحظ أن هناك بعض التيارات السياسية التى ركزت بشكل كبير على قضية فرعية يتم تضخيمها وكأنها هى جوهر وهدف الحوار وهى ضرورة الإفراج أولاً عن المسجونين كشرط لإنجاح الحوار أو حتى المشاركة فيه ، ومع كل الإحترام لهذه المواقف إلا أننى أرجو ألا يكون هذا الأمر مرتبطاً بدواعى إنتخابية أو حزبية فقط حيث أنه من الإنصاف أن تشير هذه التيارات إلى أن هناك لجنة عفو رئاسى تقوم بدورها على الوجه الأكمل ويتم الإفراج عن السجناء تباعاً ولكن بشرط ألا يكون من بينهم من من تلوثت أيديه بدماء المصريين ، وهو مايعنى أن على التيارات السياسية أن تطرح رؤاها بكل موضوعية وشفافية ولكن دون أن تجور أو تقفز على إنجازات أو نجاحات أو تحركات إيجابية تقوم بها الدولة .

 ومن المؤكد أن الدولة وهى الوعاء الذى يستوعب الجميع تبذل جهوداً جبارة من أجل نقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة وهى أيضاً مطالبة بأن تواصل إتخاذ كافة الإجراءات التى من شأنها توفير البيئة المناسبة لإنجاح الحوار فى كافة مراحله ، ولا يوجد لدى أدنى أشك فى أن القيادة السياسية وهى التى بادرت بطرح فكرة الحوار سوف تكون حريصة للغاية على أن يؤتى هذا الحوار ثماره وأن يبنى ويضيف إلى قوة الدولة ولا يسحب من رصيدها .

الخلاصة فى رأيى أن الحوار المرتقب سوف يشارك فيه كل من يؤمن بالوطن وبأن مصلحة الوطن تعلو فوق أية مصالح أخرى ومن الطبيعى أن كافة المشاركين فى الحوار مهما كانت إتجاهاتهم السياسية هم على درجة عالية من الوطنية ، كما يجب أن نعلم جميعاً أن هدف الحوار يتمثل فى كيفية التوافق من خلال المناقشات العلمية الهادئة والهادفة والمعمقة على أسس دعم الدولة فى مرحلة من أخطر المراحل التى تمر بها وسط عواصف تطيح ببعض الدول وبأمنها وإستقرارها .

 ومن ثم فإن رسالتي للجميع أن يخرج الحوار فى أبهى صورة ديمقراطية وحضارية تليق بالدولة المصرية وتتمشى مع التقدم الذى تشهده الدولة فى كافة المجالات ، كما أتمنى أن يكون هذا الحوار نموذجاً للأجيال الحالية والقادمة ومثلاً يحتذى به يؤكد بأن مصر تظل أقوى بأبنائها المخلصين الحريصين عليها والذين يؤثرون مصلحة الدولة على أية مصالح حزبية أو شخصية ولنا فى الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الحفاظ على الدولة وحماية أمنها القومى خير مثال على ذلك .

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب