الحوار الوطنى .. ماذا يريد الجميع منه ؟

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

تحدثت فى مقال سابق تم نشره على موقع المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية يوم 16 مايو الجارى عن بعض الأمور الهامة المتعلقة بالحوار السياسى الذى دعا إليه السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية يوم 26 إبريل الماضى ، وقد أكدت فى المقال على قضيتيين رئيسيتين الأولى طبيعة المحددات العامة للحوار كما طرحها السيد / الرئيس حتى لا يخرج الحوار عن أهدافه ، والقضية الثانية ماهى العوامل اللازمة لإنجاح هذا الحوار ، وقد حرصت فى نهاية المقال على التأكيد على خلاصة مفادها ضرورة تضافر جهود الجميع من أجل أن يحقق الحوار النتائج المرجوة فى ضوء أننا…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

تحدثت فى مقال سابق تم نشره على موقع المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية يوم 16 مايو الجارى عن بعض الأمور الهامة المتعلقة بالحوار السياسى الذى دعا إليه السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية يوم 26 إبريل الماضى ، وقد أكدت فى المقال على قضيتيين رئيسيتين الأولى طبيعة المحددات العامة للحوار كما طرحها السيد / الرئيس حتى لا يخرج الحوار عن أهدافه ، والقضية الثانية ماهى العوامل اللازمة لإنجاح هذا الحوار ، وقد حرصت فى نهاية المقال على التأكيد على خلاصة مفادها ضرورة تضافر جهود الجميع من أجل أن يحقق الحوار النتائج المرجوة فى ضوء أننا جميعاً فى قارب واحد .

سوف أحاول فى هذا المقال إستكمال الرؤية التى طرحتها فى المقال السابق وسوف أركز هنا على نقطتين أساسيتين من وجهة نظرى النقطة الأولى ما هو مفهوم أولويات العمل الوطنى التى تمثل الهدف الرئيسى للحوار، والنقطة الثانية ماهى الأهداف التى يسعى المشاركون فى الحوار إلى تحقيقها وماذا تريد الدولة من هذا الحوار ، بالإضافة إلى توضيح طبيعة أو حدود المخرجات التى يمكن أن تسفر عنه ؟ .

 بداية من المؤكد أن قضايا وأولويات العمل الوطنى تعنى بشكل مبسط أن هناك قضايا عامة تحظى بإهتمام الرأى العام المصرى ويتوافق الجميع على أهميتها وهى فى مجملها تدخل فى صميم عمل ومسئولية الدولة المصرية على المستويين الداخلى والخارجى ، أما مسألة أولويات هذه القضايا فبالرغم من أن الدولة تحددها طبقاً لرؤيتها وبعد دراسات مستفيضة للواقع والمتغيرات إلا أنه قد تكون هناك بعض الإختلافات فى وجهات النظر من جانب بعض الأحزاب والقوى السياسية سواء من حيث ترتيب هذه الأولويات أو من حيث طرق وأساليب التعامل معها ومعالجتها ، إلا أنه فى كل الأحوال فإن مجمل قضايا العمل الوطنى للدولة المصرية –  بدون ترتيب الأولويات – لن يكون عليها أى قدر من الإختلاف .

 ومن الطبيعى ونحن نتحدث عن قضايا العمل الوطنى أن أوضح أنها لا تخرج عن المجالات أو الموضوعات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية التى تهم الدولة فى المقام الأول وتمثل فى مجملها الجهد الرئيسى الذى  تقوم به وتسعى من خلال هذا الجهد إلى إحداث أكبر قدر من التقدم فى كل هذه المجالات بما يصب فى صالح الوطن والمواطن ، كما تقوم الدولة بترتيب أولويات هذه القضايا طبقاً لظروفها وأوضاعها الداخلية والخارجية بحيث يمكن أن تتحرك فيها إما بشكل شامل ومتوازى – كما يحدث الآن – أو تعطى أولوية لقضية أو بعض القضايا عن الأخرى .

 وفى الجانب المقابل فإنه من الطبيعى أن كافة الأحزاب السياسية خاصة تلك الغير ممثلة فى المؤسسات النيابية لديها رؤاها الخاصة التى تمثل جوهر برامجها وتتحرك على أساسها أمام أعضائها ومؤيديها وناخبيها وهى رؤى تشمل كافة المجالات المعروفة ومن المفترض أنها تعتمد على دراسات علمية من جانب خبراء متخصصين ، إلا أن المشكلة تكمن هنا فى أن هذه الأحزاب بعيدة عن السلطة وبالتالى لا تكون فى الصورة تماماً من بعض التفصيلات الهامة التى تكون ضرورية لبلورة الرؤية الصحيحة المتكاملة لكل قضية .

 ومن المؤكد أن الأحزاب والقوى السياسية ومن يماثلها من مؤسسات ونقابات وغيرها فى إحتياج إلى هذا الحوار الوطنى وترى فيه أهمية كبيرة بإعتباره فرصة جيدة لطرح مواقفها أمام الرأى العام وتثبت أن لديها رؤى وطنية تجاه كافة قضايا العمل الوطنى ، كما تؤكد الجدارة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية فى ظل جمهورية جديدة تقتحم الصعاب وتعيد بناء الدولة على أسس حديثة وتفتح ذراعيها لكل الأحزاب بلا إستثناء أو تمييز . 

 وإذا إنتقلنا إلى مدى إحتياج الدولة إلى مثل هذا الحوار لابد أن أشير فى البداية إلى أن هناك ثقة مطلقة فى القيادة السياسية وفى الجهد غير المسبوق الذى تبذله والإنجازات التى تتحقق يوماً بعد يوم وهى ماثلة أمامنا فى كافة المجالات دون إستثناء مما أتاح للدولة القدرة على مواجهة العديد من الأزمات التى عصفت بالعالم وأدت إلى تداعيات مروعة بالنسبة لكثير من الدول المتقدمة ، ويكفى هنا أن أؤكد على المواجهة الناجحة للدولة أمام تداعيات أزمة الكورونا والحرب الروسية الأوكرانية والإرهاب وهى نجاحات لايمكن أن ينكرها إلا كل جاحد ، وهذه مجرد أمثلة أستشهد بها دون أن أتعرض إلى تفاصيل الإنجازات التى حققتها برامج الإصلاح الإقتصادى والمشروعات العملاقة والمبادرات الرئاسية فى المجالين الإجتماعى والصحى .

 إذن فالسؤال الذى يجب أن أطرحه هنا مفاده ماذا تهدف الدولة من الحوار السياسى الوطنى وهل تنتظر الدولة تحقيق نتائج منه ، والإجابة على هذا التساؤل من وجهة نظرى تتمثل فى أن القيادة السياسية وهى تطرح فكرة الحوار فإنها من المؤكد أنها شديدة الجدية فى هذا الطرح وتتوقع بل تأمل فى أن يكون له فى النهاية قيمة مضافة ، كما أن القيادة السياسية على قناعة بأن مصلحة الوطن سوف تكون هى المحرك والدافع الرئيسى لكل من سوف يشارك فى الحوار ويطرح آرائه ويعرض مواقفه ويسعى إلى إنجاحه .

وبالتالى أرى أن الحوار المزمع الذى سوف يناقش كافة قضايا العمل الوطنى ( سياسية وإقتصادية وإجتماعية وأمنية ) عليه أن يأخذ فى مخرجاته النهائية العوامل الرئيسية الستة التالية : –

  العامل الأول : أهمية طرح الرؤى التى يمكن أن تساعد الدولة على أن تزيد من قدراتها وتدعم وضعيتها فى كل القضايا .

العامل الثانى : أن تكون هذه الرؤى المطروحة واقعية وقابلة للتنفيذ ولا تبغى فى النهاية إلا المصلحة العامة للدولة المصرية دون أية مصالح أخرى ، مع ضرورة القفز على أية مصالح حزبية أو قضايا فرعية لن يكون من ورائها أى طائل سوى ضياع الوقت والجهد .

العمل الثالث : أهمية تقديم الدعم والتأييد لسياسات الدولة التى تسير فيها بنجاح وتحقق الإنجازات المتتالية سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى ،ولاشك أن هذا التوافق العام بين الجميع من شانه أن يزيد من قدرات وقوة الدولة . 

العامل الرابع : أن الإختلافات فى وجهات النظر فيما يتعلق بمعالجة قضايا معينة – وهو أمر متوقع وطبيعى – لا يجب أن تكون هى الهدف من الحوار بل إنها مجرد الوسيلة من أجل الوصول إلى الأفضل فالحوار لا يعنى إستعراض مواقف بل طرح الحلول ، وبالتالى يجب أن تأتى أية رؤى متعارضة فى إطار وطنى يعى التحديات الحقيقية التى تمر بها الدولة دون تهوين أو تهويل ، وعلينا أن نكون على قناعة بأن هذه التحديات سوف تتزايد خلال المرحلة القادمة .

العامل الخامس : أن النتائج النهائية للحوار التى سوف يتم رفعها للقيادة السياسية سوف تكون لها كل الإحترام والتقدير ، ومن المؤكد أن قيادة الدولة سوف تكون حريصة على تنفيذ أية مقترحات أو إصلاحات ضرورية ومطلوبة تكون الدولة فى حاجة فعلية إليها مادامت تصب فى النهاية فى الصالح العام .

العامل السادس : أن هذا الحوار سوف يكون مقدمة لما يمكن أن نسميه بالمشاركة السياسية الحقيقية لجميع الأحزاب والقوى والتيارات السياسية والشبابية ، ومن ثم فإن هذا الحوار لابد أن ينجح حيث أن ذلك النجاح سوف يعتبر إنجازاً يحسب للوطن كله ويؤكد أن الدولة المصرية ذات حضارة آلاف السنين تتسع للجميع الوطنى بلا إستثناء أو تمييز  .    

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب