إنقاذ ليبيا .. المهمة الصعبة الممكنة

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

تظل الأزمة الليبية أحد أهم الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمان ، وهى أزمة تؤثر فى نفس الوقت على الأمن القومي المصري، ومن الملاحظ أنه كلما كانت هناك أية فرصة يمكن إستثمارها لإنهاء هذه الأزمة تظهر في الأفق بعض العقبات التي تعوق التوصل إلى الحل وهو الأمر الذي يطيل من عمر الأزمة ويزيد من جوانب تعقيدها . سوف أحاول في هذا المقال التركيز على أهم متطلبات حل الأزمة الليبية من وجهة نظري، ومن ثم سوف أبتعد عن التعرض للتطورات السياسية والعسكرية التي حدثت خلال السنوات السابقة حيث أن الأحداث التى شهدتها الساحة الليبية أصبحت متاحة…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

تظل الأزمة الليبية أحد أهم الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمان ، وهى أزمة تؤثر فى نفس الوقت على الأمن القومي المصري، ومن الملاحظ أنه كلما كانت هناك أية فرصة يمكن إستثمارها لإنهاء هذه الأزمة تظهر في الأفق بعض العقبات التي تعوق التوصل إلى الحل وهو الأمر الذي يطيل من عمر الأزمة ويزيد من جوانب تعقيدها .

سوف أحاول في هذا المقال التركيز على أهم متطلبات حل الأزمة الليبية من وجهة نظري، ومن ثم سوف أبتعد عن التعرض للتطورات السياسية والعسكرية التي حدثت خلال السنوات السابقة حيث أن الأحداث التى شهدتها الساحة الليبية أصبحت متاحة ومعروفة للجميع، وبالتالي فإن التعرض لها سوف يكون من قبيل السرد التاريخي الذي لن يضيف جديداً . 

تهل علينا خلال أيام الذكرى الحادية عشر لثورة 17 فبراير 2011 التي هدفت في مجملها إلى أن تنقل ليبيا من حالة رآها المواطنون الليبيون أنها لا تتناسب مع وضعية دولتهم إلى وضع أفضل في كافة المجالات خاصة وأن الدولة الليبية تمتلك العديد من القدرات التي تتيح أن تكون لها مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي إلا أنه للأسف لم يتحقق هذا الهدف حتى الآن .

وبالنظر إلى السنوات الإحدى عشر السابقة يمكن القول أن هذه الفترة إتسمت في مجملها بأهم الملامح التالية: 

 إستمرار حالة عدم الإستقرار بصفة عامة  طوال الفترة السابقة إلا في أوقات محدودة بل وصل الأمر في بعض المراحل إلى نشوب حروب وظهور بعض الجماعات الإرهابية، وبالتالي أصبح الأمن القومى الليبى مهدداً.

تعدد المبادرات التي حاولت أن ترسم أكثر من خريطة طريق لحل الأزمة الليبية، إلا أن هذه المبادرات لم تؤدي إلى الحل الشامل المنشود رغم ما حققته من بعض الأمور التنظيمية والهياكل المؤسساتية وطرحت العديد من الحلول التوفيقية، ونذكر من هذه المبادرات ( إتفاق الصخيرات – مؤتمرا برلين – إعلان القاهرة – مبادرات دول الجوار – مؤتمر باريس – مؤتمر طرابلس لدعم إستقرار ليبيا ) .

تعدد الدول التي تتدخل بشكل مباشر في الأزمة الليبية على المستويين الإقليمى والدولى ( تركيا – الولايات المتحدة – روسيا – فرنسا – إيطاليا ) ولاشك أن هذا التدخل لم ينتج عنه سوى مزيد من تعقيد الأزمة.

عدم نجاح الإجتماعات المنبثقة عن المبادرات الرئيسية المطروحة في أن تصل بالأزمة إلى بر الأمان رغم بعض مظاهر النجاح في بعض المراحل وخاصة الجانب العسكرى (مجموعة 5+5) ولكن يظل هذا النجاح جزئياً ومرهوناً بطبيعة الوضع العام ويمكن أن يتعرض إلى نكسات فى أى وقت .

إحجام القوى الدولية المنخرطة فى الأزمة الليبية عن التدخل الفعال من أجل حل الأزمة رغم قدرتها على القيام بدور أكثر إيجابية ، ويرجع ذلك إلى أن تركيزهذه القوى ينصب بشكل رئيسى على حماية وتعظيم مكاسبها أكثر من أى هدف آخر . 

 قناعة كافة القوى السياسية والعسكرية – بعد تجارب عملية وواقعية على الأرض – بأن هناك إستحالة تامة أن يتم حل الأزمة الليبية حلاً عسكرياً وأن الحل السياسى يمثل الحل الوحيد للأزمة .

إستمرار تواجد الجماعات والميليشيات والمرتزقة على الأراضى الليبية ولازالت هذه الجماعات تساهم فى توتير الأوضاع ولا يوجد أي إحتمال فى الأفق على حل هذه المشكلة الجوهرية رغم أن كافة المبادرات المطروحة أجمعت على ضرورة إخراج هذه الجماعات من ليبيا .

 إتسام دور الأمم المتحدة بمحاولة طرح بعض الحلول والمسارات التوفيقية ، وبالرغم من هذا الجهد الأممي المبذول طوال سنوات إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الفاعلية التي تسمح بإنهاء هذه الأزمة ، ومن الإنصاف أن نقول أن الأمم المتحدة ليس في مقدورها أن تفرض حلاً لايرضى عنه الليبيون .

ولاشك في أن عدم النجاح في إجراء الإنتخابات الرئاسية الليبية التي كانت مقررة يوم 24 ديسمبر 2021 كان بمثابة ظاهرة كاشفة لمدى تعقد الأزمة وصعوبة التوافق على إجراء أهم إستحقاق دستوري كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير الوضع حتى لو كان هذا التغيير نسبياً ، حيث شهدت هذه الفترة مزيداً من التنافس بين القيادات الرئيسية وإختلاف الرؤى والتفسيرات لبعض القوانين والتشريعات على مستوى المؤسسات المعنية، ومن ثم كان تأجيل الإنتخابات أمراً طبيعياً ومنطقياً في ظل عدم التوافق العام وهو ما يؤكد أن القضية أعمق من أن تكون مجرد إجراء إنتخابات أياً كانت رئاسية أو برلمانية .

 ولعل أهم نقطة مضيئة في موضوع الإنتخابات التي تم تأجيلها تمثلت في أن الشعب الليبي ضرب مثلاً رائعاً وعبر عن نفسه بشكلٍ إيجابي عندما سارع المواطنون بتسلم بطاقاتهم الإنتخابية تأكيداً من جانبهم على رغبتهم في التغيير والإنتقال إلى وضع أفضل، حيث أن حوالي إثنين ونصف مليون مواطن ليبي تسلموا بطاقاتهم الإنتخابية مع الأخذ في الإعتبار أن عدد المواطنين المسجلين وتم إصدار بطاقات لهم إقترب من ثلاثة ملايين مواطن إلا قليلاً ، وأعتقد أن هناك ضرورة أن يقف الجميع عند رقم الليبيين والليبيات الذين تسلموا بطاقاتهم نظراً لأنه يعبر بصدق عن طموحات الشعب الليبي وعدم رضائهم عن إستمرار الوضع الراهن إلى ما لانهاية.

وفي تقديري أن قراءة الأوضاع الحالية في ليبيا تقودني إلى أن هذه الأزمة بمعطياتها الراهنة سوف تظل تتراوح بين طرح مبادرات وتنافس شخصيات وتصفية حسابات وقد تصل إلى توترات أمنية غير محسوبة ، ومن المؤكد أن هذه الأوضاع لن تصب في صالح الشعب الليبى، ومن ثم تثور التساؤلات حول كيف يمكن تغيير هذا الواقع الحالي؟ ومن الذى يملك القرار ويمتلك مفاتيح الحل ؟ ومن هو الطرف الأكثر حرصاً على المصلحة الليبية ؟ وأين دور الشعب الليبى ؟ وهي كلها أسئلة مشروعة لاسيما في ظل التخوف من طول أمد هذه الأزمة دون حل وبالتالي تتزايد التدخلات الخارجية والتعقيدات الداخلية ونصل إلى طريق مسدود نحتاج إلى عشر سنوات أخرى للخروج منه .

وهنا أرى أن الأزمة الليبية أصبحت في مفترق طرق بعد هذه السنوات والأحداث والتطورات والعقبات التي لم تعد خافية على أحد ، وبالتالي فمن وجهة نظري فإن الأمر يتطلب ما يلى : 

أن القيادات الليبية المسئولة عن إتخاذ القرار فى ليبيا مهما تعددت مؤسساتها وتوجهاتها فمن المؤكد أنها كلها قيادات وطنية وأصبحت مطالبة الآن بأن تنحى كل الخلافات جانباً وتحاول الإتفاق جميعها وقدر المستطاع على رؤية موحدة لإنقاذ ليبيا من مصير سوف يكون مجهولاً بالفعل .

أن أصحاب القرار الليبي يجب أن يكونوا على قناعة كاملة بأن التدخلات الخارجية لن تكون فى يوم ما حريصة على المصالح الليبية وأن كل ما يهمها في المقام الأول مصالحها الإقتصادية والأمنية فقط ولو على حساب ومستقبل الشعب الليبي ومؤسساته وقياداته .

ضرورة أن تكون هناك قناعة ليبية بأن المبادرات التي يتم طرحها من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية هي مجرد رؤى للمساهمة والمساعدة فى التوصل إلى الحل ، ومن ثم يمكن الإستفادة من هذه المبادرات كلها أو بعضها مادامت تصب فى صالح الشعب الليبي .

أن التوافق بين القيادت الليبية أمراً ليس مستحيلاً حيث أن الواقع يشير إلى أن هناك توافقات قد حدثت مؤخراً لم يكن أحد يتصور أن يتم التوصل إليها ، إلا أن المطلوب أن يكون التوافق القادم شاملاً  للجميع مادام الهدف الأسمى هو ليبيا ومستقبلها وليس أي هدف آخر مهما كانت مميزاته، وأن ليبيا لن تنهض إلا بتضافر الجميع دون إستثناء أحد إلا من لايرى أن مصلحة ليبيا هي في المقام الأول والأخير . 

أن الحل الليبي / الليبي سوف يظل يمثل المخرج الوحيد لحل الأزمة الليبية ، وقناعتي أنه ليس من الممكن أن يكون هناك حلاً آخر غير ذلك، وفي هذا المجال لابد أن أشير إلى أنه عندما طرحت مصر ما يسمى بإعلان القاهرة في يونيو2020 كان العنوان الرئيسى لهذا الإعلان أنه مبادرة ليبية / ليبية وليست رؤية مصر أو أى طرف آخر .

 وبالتوازي مع هذا التحرك القيادي فإن الشعب الليبي بكافة مكوناته الوطنية أصبح مطالباً بأن يكون له  دور رئيسي خلال المرحلة القريبة القادمة وعليه أن يكون أكثر فعالية داخل كافة المؤسسات التي تمثله وأن يتحرك تحت عنوان واحد وهو الإسراع بأن تعود ليبيا الدولة الوطنية القوية الموحدة المستقرة وأن يقفز الجميع على خلافاتهم وعلى مصالحهم أياً كانت من أجل المصلحة الليبية العليا .

ومن المؤكد أن مثل هذا الحراك الشعبى السلمي سوف يجبر أي من  أصحاب المصالح من جهة والقوى الخارجية التي تسعى لتأمين مصالحها فقط من جهة أخرى على أن تنصت لهذا الصوت الوطنى الموحد وسوف يعلمون أن الشعب الليبي هو صاحب القرار الأول وصاحب المصلحة العليا، وهو الأمر الذي سوف يدفع القيادات المتصارعة إلى أن تتخذ قراراً موحداً بالتوافق على الأسس اللازمة لحل الأزمة بالشكل الذي يحقق مصلحة الشعب الليبى سواء بالنسبة لتوحيد المؤسسات أو الإتفاق على توقيت الإنتخابات أو موضوع الدستور أو غير ذلك من القضايا التي ليس من الصعب التوافق عليها مادامت هناك إرادة قوية للتوافق ، وفي هذه الحالة سوف يقف المجتمع الدولى إحتراماً للشعب الليبى وسوف يقدم له طواعية كل المساعدة الممكنة ولكن بعد أن يكون الليبيون قد إتخذوا قرارهم بأيديهم .

وسوف تظل قناعتى الكاملة أن كافة القيادات الليبية هي قيادات وطنية قادرة على التوافق وقادرة على القفز على خلافاتها مهما كانت هذه طبيعتها ومن المؤكد أن هذه الخطوة التاريخية عندما تحدث فإنها سوف تغير الواقع الراهن في وقت قصير للغاية مادامت تتجاوب مع مطالب الشعب الذي لم ولن يروق له في أي وقت أن يرى دولته تتقاسمها حكومتين أو برلمانين أو يرى إزدواجية في المؤسسات الحاكمة، حيث أن ليبيا الموحدة لا يستقيم مطلقاً أن تكون لديها إلا سلطة واحدة وقرار واحد .

كلمة أخيرة أوجهها إلي كل الأشقاء الليبيين أدعو فيها  إلي التوافق العام بين الجميع وبدء مرحلة تاريخية جديدة نستطيع أن نقول بعدها بأن الأزمة الليبية وجدت أخيراً طريقها للحل بعد أن قرر الليبيون أن يكون مصيرهم ومستقبلهم المشرق بإذن الله في أيديهم فقط وبإرادتهم وليس في أيدي أية قوي أخري … ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد …

وفى النهاية فمن الضرورى أن أشير إلى أن مصر سوف تظل في كل وقت العون والسند للشعب الليبى الشقيق، وهنا دعونى أناشد كل مواطن ليبي شريف أن يستعيد قراءة كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي التى ألقاها أمام مؤتمر باريس حول ليبيا فى 12 نوفمبر 2021 عندما خاطب سيادته الشعب الليبى مؤكداً أنهم أحفاد عمر المختار وعليهم أن يستلهموا عزيمة الأجداد من أجل الحرية والإستقلال وبناء الدولة بإرادة ليبية حرة . 

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب