أصبح الحديث عن أن مصر تمثل محور الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط إحدى البديهيات التى لا تتطلب اجتهاداً من أحد، حيث إن المعطيات كلها تؤكد أن الوضعية الحالية التى تتمتع بها مصر على المستوى الإقليمى والمستوى الدولى هى وضعية مميزة تمنح الدولة المصرية كل المقومات التى تمكنها من أن تقوم بدورها التاريخى على أكمل وجه.
وإذا كانت مصر تتجنب الحديث عن مسألة الريادة أو الزعامة العربية والإقليمية فإن ذلك يرجع إلى أن القيادة السياسية المصرية قررت منذ اليوم الأول لتوليها السلطة أن تكرس كل جهودها من أجل أن تضع مصر فى المكانة التى تستحقها على خريطة العالم ، وهذا هو المسار الأهم الذى تتحرك فيه مصر بنجاح كبير بعيداً عن أى مهاترات أو معارك جانبية لن يكون من ورائها أى طائل سوى ضياع الوقت والجهد .
ولاشك أن الحديث عن موضوع الزعامة لايمكن أن يرتبط بمجرد كلمات تقال فى بعض المناسبات وإنما يرتبط بحقائق ووقائع أوجدتها مصر على الأرض بل باعتراف أكبر المؤسسات الدولية الاقتصادية والعسكرية ويكفى هنا أن ندلل على أن الجيش المصرى العظيم أصبح أقوى جيوش المنطقة متفوقاً على العديد من الدول التى تكرس معظم جهودها للجانب العسكرى وهو الأمر الذى يضيف قوة إلى الموقف العربى ككل.
ولاشك أن كل الإنجازات التى تحققها مصر على المستوى الداخلى فى مختلف المجالات رغم تداعيات جائحة «كورونا» تعد خير شاهد على نجاح خريطة التنمية الشاملة التى وضعتها الدولة وتقوم بتنفيذها بكل دقة، حيث إن هذه الإنجازات التى نراها ماثلة أمامنا تتحدث عن نفسها ولا تمر أسابيع قليلة دون أن نجد إنجازاً يتحقق فى ربوع مصر كلها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وهو ما يؤكد مدى سلامة وجدية خطة التنمية المصرية التى يتم تنفيذها طبقاً لجدول زمنى يسابق نفسه .
وفى الوقت نفسه، فإن الدور الإقليمى الذى تقوم به مصر تجاه قضايا المنطقة يؤكد أن مصر عندما تتحرك فإن المنطقة تتحرك معها وليس أدل على ذلك من الدور المصرى الواضح والفعال فى القضية الفلسطينية والأزمة الليبية والمشكلة السورية والأوضاع فى لبنان والأزمة اليمنية بالإضافة إلى معالجة قضية الإرهاب ومواجهة التهديدات المحيطة بالأمن القومى العربى الذى تحرص القيادة السياسية على أن تربط بينه وبين الأمن القومى المصرى برباط قوى لا ولم ولن ينفصل أبداً .
ولن يتسع المجال أن أخوض فى تطورات العلاقات المصرية العربية وسوف أكتفى هنا بأن أشير إلى أن الأيام الماضية شهدت بعض الزيارات شديدة الأهمية فى شكلها ومضمونها من بينها زيارة الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون إلى مصر ثم زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لدولة الإمارات العربية الشقيقة ، ومن المؤكد أن توقيت هاتين الزيارتين يحمل العديد من المعانى والدلالات المهمة التى لا تخفى على أى متابع خاصة فيما يتعلق بطبيعة العمل العربى المفترض أن يتبلور خلال المرحلة المقبلة بصورة أفضل مما سبق لاسيما مع تصاعد حجم المخاطر التى تتعرض لها الدول العربية .
وحتى تكتمل الصورة فإن العلاقات المصرية على المستوى الدولى أيضاً تؤكد أن مصر تسير فى أفضل مسار ممكن فى صياغة ودعم علاقات دولية مميزة نجحت القيادة السياسية فى نسج خيوطها بتأن مع جميع دول العالم سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو أوروبا أو الصين أو الدول الآسيوية والإفريقية وهى علاقات تزيد من قوة ووضعية الدولة المصرية وتضفى فى الوقت نفسه مزيداً من المسئولية نحو مشاركة مصرية فاعلة فى معالجة القضايا الدولية وهى مسئولية أرى أن مصر قادرة عليها بفضل الله وبجهد قيادة وطنية أخذت على عاتقها أن تتعامل مع جميع الدول بمصداقية وعدم التدخل فى شئونها مع الاستفادة من هذه العلاقات فى كل ما يدعم مصالح الشعوب خاصة فى المجال الاقتصادى.
وليس من قبيل المبالغة إن أقول إن مصر أصبحت البوصلة الإقليمية التى عندما تتحرك فإنها تتحرك فى الاتجاه الصحيح، خاصة أن جميع الدول العربية على قناعة بأن مصر ليست لها أى أهداف خاصة وأنها تركز فقط على أن يسود الأمن والاستقرار والتنمية المنطقة وأن يتم حل كل المشكلات المثارة بالطرق السلمية حتى إن أهم مشكلة تواجهها مصر حالياً وتؤثر على مستقبل الأجيال الحالية والمقبلة وهى مشكلة السد الإثيوبى فإن مصر تسعى حتى الآن أن يتم حلها بالمفاوضات بما يحقق مصالح جميع الأطراف .
ومن هنا فإن كل الظروف الحالية خاصة على المستوى الإقليمى تتطلب أن يكون هناك تضافر للجهود العربية نحو صياغة رؤية مشتركة للحفاظ على الأمن القومى العربى الذى لم يعد خافياً على أحد أنه يتعرض إلى تهديدات حقيقية لا يمكن مواجهتها إلا بعمل عربى موحد أو شبه موحد قدر المستطاع ، وفى رأيى أنه إذا لم يستثمر العرب قراءتهم الصحيحة للأوضاع الحالية فى الاعتماد على أنفسهم وقدراتهم فإن التهديدات سوف تتزايد. وفى النهاية يظل السؤال المطروح: إذا لم يتفق العرب الآن على كيفية الحفاظ على أمنهم ومستقبل الأجيال القادمة فمتى سوف يتفقون ؟ وهنا أنا لا أدعو إلى العمل العسكرى أو أتحدث عن مبادئ ميتافيزيقية مثل الوحدة العربية الشاملة ، وإنما أدعو فقط إلى وقفة عرببة مع النفس والبحث بواقعية عن طبيعة التحالفات الحالية وحجم المخاطر الحقيقية وكيف نواجهها قبل فوات الأوان ، وفى كل الأحوال سوف تظل مصر سنداً قوياً وعمقاً عربياً لأشقائها العرب.
نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 29 يناير 2022
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية