الدراسات الاقتصادية

تطورات جوهرية: حصاد الاقتصاد المصري في عام 2021

مرّ الاقتصاد المصري في عام 2021 بالعديد من التطورات الجوهرية التي مثلت قيودًا وفرصًا في الوقت نفسه، فقد شهد عام 2021 تخفيفًا لقيود السفر الدولية التي سبق أن تم فرضها كإجراءات تأتي ضمن محاولات احتواء فيروس كورونا، وبدأت اللقاحات في الانتشار بشكل أكبر بين البلدان المختلفة، لكن أبرز التحديات في ذلك العام هي الآثار السلبية للاضطراب في سلاسل التوريد عالميًا، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة القلق حول معدلات التضخم عالميًا والتي ترتب عليها تخفيف سياسات التيسير الكمي، وزيادة احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة العالمية. البداية مع المالية العامة للدولة، حيث تمكنت مصر من تحقيق مستهدفات العجز الكلي ليكون عند مستوى 7.4%…

أحمد بيومي
باحث بوحدة الإقتصاد ودراسات الطاقة

مرّ الاقتصاد المصري في عام 2021 بالعديد من التطورات الجوهرية التي مثلت قيودًا وفرصًا في الوقت نفسه، فقد شهد عام 2021 تخفيفًا لقيود السفر الدولية التي سبق أن تم فرضها كإجراءات تأتي ضمن محاولات احتواء فيروس كورونا، وبدأت اللقاحات في الانتشار بشكل أكبر بين البلدان المختلفة، لكن أبرز التحديات في ذلك العام هي الآثار السلبية للاضطراب في سلاسل التوريد عالميًا، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة القلق حول معدلات التضخم عالميًا والتي ترتب عليها تخفيف سياسات التيسير الكمي، وزيادة احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.

البداية مع المالية العامة للدولة، حيث تمكنت مصر من تحقيق مستهدفات العجز الكلي ليكون عند مستوى 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل عجز مستهدف 7.8%، واستطاعت الموازنة العامة تحقيق فائض أولي بنسبة 1.5% (الإيرادات بالموازنة أكبر من المصروفات قبل خصم الديون وأعبائها)، وهو فائض أكبر بكثير من مستهدف الموازنة العامة للدولة والذي يبلغ 0.9%. وقد استهدفت وزارة المالية تعزيز حصيلتها الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية في نفس الوقت، حيث تم فرض ضريبة بنسبة 10% على جميع الهواتف المحمولة غير المصنوعة من جانب شركة سيكو، وجارٍ بحث فرض رسوم تنمية بنسبة 2% على السلع المعمرة والمشروبات الغازية وضريبة بنسبة 5 – 20% على المرافق الترفيهية، أما عن مصادر الضريبة الأخرى فقد دار الحديث عن فرض ضرائب على مراكز الدروس الخصوصية وعلى المدونين وصانعي المحتوى عبر الإنترنت، هذا فضلًا عن وضع أنظمة جمارك جديدة وفاتورة إلكترونية والتي جرى طرحها لمواجهة التهرب الضريبي وعدم سداد مستحقات الدولة.

على مستوى الأسعار، لم تكن مصر بمعزل عن التطورات العالمية التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة لمعدلات التضخم بنسب متفاوتة عالميًا، حيث ارتفع معدل التضخم الرئيسي وبالأخص في النصف الثاني من العام نتيجة لارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة إثر الأزمات العالمية لتضع التضخم في أعلى مستوى له منذ 20 شهرًا عند مستوى 6.6%، لكن جهود الدولة أثمرت عن احتواء معدلات التضخم والحفاظ عليها ضمن مستهدفات البنك المركزي المصري والتي تتمثل في نسبة 7% (%2±)، ومن ثم فإن متوسط معدل التضخم الرئيسي للعام الحالي يمثل 5.5% سنويًا خلال العام. تلك الحالة من الاستقرار في معدلات التضخم دفعت البنك المركزي إلى إبقاء معدلات الفائدة دون تغيير منذ نوفمبر 2020، ويعود الدافع وراء تلك القرارات إلى بقاء معدلات التضخم في إطار المستوى المقبول والمستهدف خلال العام، والتحوط ضد أي ارتفاعات في التضخم التي قد تنجم نتيجة حالة السخونة التي يشهدها العالم، وفي الوقت نفسه جذب التدفقات الأجنبية للاستثمار في أدوات الدين المصرية، حيث قدمت أدوات الدين المصرية (الاستثمارات بالمحافظ المالية) أسعار فائدة حقيقية كانت الأفضل على مستوى العالم (فائدة حقيقية)، وهو ما جذب المستثمرين من تجار الفائدة الباحثين عالميًا على معدلات فائدة مرتفعة في ظل البيئة التي كانت تشهدها معدلات الفائدة الحقيقية عالميًا والتي تتمثل في الانخفاض.

وكنتيجة لذلك فقد بلغت الاستثمارات في المحافظ المالية (الديون المصرية قصيرة الأجل) 33 مليار دولار أمريكي في أغسطس من عام 2021. ومن الجدير بالذكر أن المستوى الأعلى الذي كانت قد وصلت له تلك الاستثمارات قبل عام كورونا هو 28 مليار دولار، قبل أن تهوي إلى حوالي 10 مليارات دولار بعد عمليات البيع المكثف التي حدثت بالأسواق الناشئة في العام الماضي. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات متاحة عن ذلك المبلغ في الشهور التي تلت ذلك الإعلان؛ إلا أننا نعتقد أنه قد يكون ذلك المبلغ تأثر قليلًا نتيجة لبدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تقليص سياسات التيسير الكمي تدريجيًا، خاصةً بداية من شهر نوفمبر من عام 2021.

أما عن الديون المصرية فقد شهد العام المنقضي ذهاب مصر للاستدانة من الأسواق الدولية مرتين خلال العام بهدف تأمين ديون بأسعار فائدة منخفضة، حيث باعت وزارة المالية سندات دولية مقومة بعملة الدولار الأمريكي بقيمة 6.75 مليارات دولار خلال إصدارين، أولهما في شهر فبراير وآخرهما في شهر سبتمبر، وقد حظي الإصداران بحالة قوية من الطلب للاكتتاب بهما من جانب المستثمرين. وحصلت مصر أيضاً على دفعة أخرى من صندوق النقد الدولي بما يعادل 2.8 مليار دولار في شكل حقوق سحب خاصة، والذي يأتي ضمن خطة صندوق النقد الدولي لدعم الاقتصاد العالمي بمبلغ 650 مليار دولار سيدعم بها الصندوق الدول الأعضاء (190) دولة، لتكون تلك المبالغ مكملًا للاحتياطيات الرسمية الخاصة بالدول الأعضاء. ومن الجدير بالذكر أن ذلك المخصص يعتبر الأكبر عالميًا في تاريخ الصندوق لدعم اقتصادات الدول الأعضاء. وكان آخر التمويلات التي استطاعت الحكومة المصرية توفيرها تتمثل في مجموعة قروض من المؤسسات المالية بتجديد قرض مشترك بقيمة 2 مليار دولار سبق الحصول عليه في عام 2020 لدعم المالية العامة خلال أزمة كوفيد، حيث قامت نفس مؤسسات الإقراض بتوفير قرض بمبلغ 3 مليارات دولار أخرى بعد أشهر قليلة من استحقاق موعد القرض الذي سبقه والذي استحق خلال 12 شهر.

كان قطاع الضيافة والفندقة أبرز القطاعات التي استفادت من زيادة معدلات التلقيح عالميًا، وانحسار المخاوف بشأن انتشار فيروس كورونا في مصر، وعودة الرحلات الجوية، حيث ارتفع قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 430% في الربع الثاني وبحوالي 182% في الربع الثالث. قطاع الصناعات التحويلية من جانب آخر شهد أداء جيدًا، حيث شهد انتعاشة تدريجية بنسبة 10 – 15% في الربعين الأول والثاني من العام على التوالي.

على مستوى الاقتصاد المصري، كانت مصر من ضمن الدول القلائل عالميًا التي تمكنت من تجاوز عام كورونا دون الدخول في ركود اقتصادي، فقد كان عام 2021 انطلاقة جديدة للاقتصاد، حيث استطاع الناتج المحلي الإجمالي أن ينمو بنسبة 2.9% في الربع الأول، وقفز ذلك النمو إلى 7.2% في الربع الثاني قبل أن يواصل الارتفاع في الربع الثالث ليصل إلى 9.8%، وهو يعتبر معدل النمو الأعلى منذ عقدين، ذلك الأمر الذي دفع العديد من المحللين الاقتصاديين إلى ترجيح أن ينمو الاقتصاد بنسبة 6.7% في الربع الثاني من عام 2021، وأن يستطيع تحقيق نمو بنسبة تتراوح بين 5.5 – 5.7% بنهاية العام المالي الجاري في يونيو 2022، وهو ما جعل الاقتصاد المصري يحظى بالثناء والمدح من جانب العديد من المؤسسات الدولية والتي ثبتت التصنيف الائتماني لمصر لمرات متتالية، ووصف صندوق النقد الدولي الاقتصاد المصري بالاقتصاد المرن أمام جائحة كورونا.

أحمد بيومي
باحث بوحدة الإقتصاد ودراسات الطاقة