*** الحديث عن القدرة التى تتميز بها القيادة السياسية المصرية فى التعامل مع الملفات المتعددة للسياسة المصرية الداخلية والخارجية أمر لا يكتنفه أى صعوبة فى الوقوف على جوهر هذه السياسة وإدراك أبعادها خاصة وأن هذه السياسة تعتمد على الوضوح والمصداقية وتهدف إلى أن تصب كافة الجهود التى تبذلها الدولة فى صالح الوطن والمواطن .
*** ومن المؤكد أن النجاح الذى حققته الدولة المصرية على المستوى الداخلى يعد من أهم أسس تحقيق النجاح على المستوى الخارجى حيث أنه لا يمكن لأية دولة أن تتمتع بوضعية إقليمية ودولية مميزة دون أن يكون وضعها الداخلى مستقراً فى كافة المجالات .
*** ولن أكون مبالغاً عندما أشير إلى أن الإنجازات غير المسبوقة التى حققتها القيادة السياسية على المستوى الداخلى إعتمدت على خطة تنمية شاملة إستهدفت نقل الدولة إلى مرحلة أكثر تقدماً ، وفى رأيى أن هناك ثلاثة محددات رئيسية أدت إلى النجاحات الداخلية المتتالية وهى كما يلى : –
** المحدد الأول : أن لدينا قيادة سياسية وطنية جريئة قادرة على إتخاذ القرار فى الوقت المناسب وتؤمن بأن الشعب الذى طالبها بتولى السلطة منذ البداية ثم أعاد إنتخابها يمثل الداعم الرئيسى لها ويتقبل كافة قرارات القيادة نظراً لقناعته أنها فى النهاية لصالحه .
** المحدد الثانى : أن أحد جوانب قيمة الإنجازات التى تتحقق تعود إلى أنها ربطت بين مقتضيات التنمية ومتطلبات الأمن القومى المصرى .
** المحدد الثالث : أن نجاح خطة التنمية إستند على ثلاثة عوامل هامة الأول عامل الوقت والسباق مع الزمن والثانى شمول الخطة كافة أنحاء الدولة دون التركيز على منطقة جغرافية محددة والعامل الثالث التوازى فى عملية التنفيذ بمعنى معالجة كافة القضايا بشكلٍ متوازى حتى تنهض منظومة التنمية فى وقتٍ واحد .
*** وقد تمت ترجمة هذه الخطة إلى واقع ملموس على الأرض من حيث تنفيذ المشروعات العملاقة والإسراع فى مسار التعمير والتنمية الذى لم يترك منطقة إلا وتعامل معها وخاصة المناطق الحدودية على الإتجاهات الإستراتيجية الثلاثة ( الشمالى الشرقى والغربى والجنوبى) فضلاً عن إحداث طفرة هائلة فى مجال الطاقة والربط الكهربائى مع بعض الدول العربية والأجنبية وتصدير الغاز المسال إلى الخارج ، مع مواجهة ناجحة لجائحة كوفيد / 19 وإستيعاب آثارها السلبية بل وتحقيق معدلات تنمية إقتصادية لم تحققها العديد من الدول المتقدمة .
*** كما حرصت القيادة السياسية على أن توجه إهتمامها إلى حياة المواطن المصرى من خلال تنفيذ المبادرات الصحية والإجتماعية المتفردة لمساعدة الطبقات الأكثر إحتياجاً وصولاً إلى مبادرة حياة كريمة لتطوير الريف المصرى التى ستخدم حوالى 60 مليون مواطن ، بالإضافة إلى دعم قدرات الشباب المصرى وتأهيلهم لتولى المناصب القيادية فى المستقبل ، كما إتجهت القيادة السياسية إلى إحاطة الجمهورية الجديدة بسياج قوى قادر على مواجهة المخاطر الخارجية من خلال الدعم الغير مسبوق للقدرات التسليحية للجيش المصرى الذى أصبح واحداً من أقوى جيوش العالم .
*** ومن ناحيةٍ أخرى جاءت سياسة مصر الخارجية معبرة تاماً عن المبادئ التى تتبناها وتنفذها القيادة السياسية من أهمها عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأية دولة ورفض أى تدخل فى شئون مصر الداخلية ، مع الحرص على إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول فى إطار من الإحترام المتبادل والحفاظ على سيادة الدولة ، وستظل مصر تؤكد للجميع أنها لن تحيد عن حماية أمنها القومى مهما كان حجم التهديدات .
*** وفى هذا المجال تتحرك مصر على المستوى الخارجى فى إطار رؤية واضحة لخريطة مصالحها إقليمياً ودولياً فى الإطار التالى : –
** أن التسوية السياسية تمثل الإسلوب الرئيسى من أجل حل المشكلات المثارة الحالية فى المنطقة .
** أن التدخل الأجنبى فى شئون بعض الدول العربية لم يؤد إلا إلى مزيدٍ من تعقيد فرص الحل ومن هنا تتمسك مصر بإنسحاب الميليشيات والمرتزقة من الأراضى الليبية .
** أهمية مساعدة الدول التى تمر بمرحلة إنتقالية حتى تنتهى هذه المرحلة بسلام وهو ما ينطبق على السودان مع التأكيد على إجراء الإنتخابات الليبية فى موعدها .
** وجود بعض القضايا التى تتطلب الحل السياسى الشامل مثل قضية السد الإثيوبى من أجل ألا تنزلق الأمور إلى تدهور لا يمكن إحتوائه ، ومن هنا تطالب مصر بحل هذه القضية من خلال التوصل إلى إتفاق قانونى شامل وملزم بالنسبة لملئ وتشغيل السد .
** دعم العلاقات مع الدول العربية والإفريقية والأوربية والآسيوية مع إقامة تحالفات إستراتيجية مع بعض الدول بما يحقق المصالح المشتركة لدول التحالف .
** إعادة تصحيح مسار العلاقات مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية من خلال إستئناف الحوار الإستراتيجى بين الدولتين بعد توقف ست سنوات ، ومن المؤكد أن النتائج المعلنة لهذا الحوار سوف يكون لها تأثيرات إيجابية على مستقبل العلاقات الثنائية بين الجانبين .
*** ومع قناعتى التامة بأن المرحلة القادمة سوف تشهد مزيداً من الإنجازات إلا أنه فى المقابل فإن التحديات المقبلة أمام مصر سوف تتزايد أيضاً ، الأمر الذى يتطلب من الدولة مزيداً من اليقظة ومواصلة التنفيذ الناجح لخطة التنمية الشاملة دون توقف ، كما يفرض هذا الوضع على المواطن المصرى إستمرار الدعم الشعبى لقيادته السياسية ، وفى النهاية فإن دولة عظيمة بحجم مصر لديها قيادة شديدة الإيمان بالله وواثقة فى قدرات شعبها وتعمل ليل نهار، عليها أن تطمئن على حاضرها وعلى مستقبلها .
نقلا عن صحيفة الاهرام بتاريخ ٢٢ نوفمبر ٢٠٢١
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية