آثرت أن أكتب في الذكرى الثالثة والأربعين لتوقيع إتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978 التى مرت ذكراها مرور الكرام ولم يتوقف عنها أحد وذلك كمحاولة متواضعة من أجل توضيح الجهد الذى بذلته مصر منذ أكثر من أربعة عقود لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ، وكيف كان من الممكن أن يسفر هذا الجهد عن حلٍ لهذه القضية المركزية، خاصة وأن التحرك المصرى فى هذا الوقت إتسم بالشجاعة والإرادة السياسية الغير مسبوقة من أجل تغيير واقع سياسى شديد الصعوبة والتعقيد جاء نتيجة الإحتلال الإسرائيلى لكلٍ من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان عقب حرب يونيو عام 1967 .
وقبل أن أتطرق إلى الحديث عن مضمون وأهداف وتأثيرات إتفاقات كامب ديفيد أود أن أشير إلى أن هذا المقال سوف يركز بالأساس على ما يسمى إتفاق “إطار السلام الشامل في الشرق الأوسط ومشتملاته” نظراً لأن هذا الإتفاق يتعلق فقط بالقضية الفلسطينية كما يحدد أهم مبادئ التسوية السياسية الشاملة بين إسرائيل وجيرانها .
هناك ملاحظتين رئيسيتين لابد من الإشارة إليهما فى البداية وهما :
الملاحظة الأولى : أن توجه مصر نحو السلام مع إسرائيل والزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس في نوفمبر 1977 لم يأت من فراغ وإنما جاء من منطق القوة حيث أن هذا التوجه قد بدأ في أعقاب إنتصار مصر في حرب 73 المجيدة وما أعقبها من عقد مؤتمر جنيف جلسة واحدة في ديسمبر 1973 ثم توقيع إتفاق فصل القوات الأول على الجبهة المصرية فى يناير عام 1974 ثم إعادة إفتتاح قناة السويس وتوقيع إتفاق فصل القوات الثانى عام 1975.
الملاحظة الثانية : أن مصر إنطلقت فى هذا التوجه السلمي وهي تسعى إلى تحقيق السلام الشامل حيث حرصت مصر من منطلق دورها التاريخي على التوصل أولاً لإتفاق بشأن حل القضية الفلسطينية ولذا فقد وقعت مع كلٍ من إسرائيل والولايات المتحدة يوم 17 سبتمبر 1978 على وثيقة تسمى “إطار السلام فى الشرق الأوسط” الخاصة بالموضوع الفلسطينى وأسس السلام الشامل فى المنطقة ، ثم وقعت مصر بعد ذلك بستة أشهر على معاهدة السلام مع إسرائيل فى 26 مارس 1979 .
وفى الوقت الذي حاولت فيه توضيح الإيجابيات التي تضمنتها إتفاقية إطار السلام الشامل وهو حق أصيل للقيادة السياسية المصرية الوطنية التي إجتهدت في هذا الوقت حتى تخرج هذه الإتفاقية إلى النور، فمن الإنصاف أيضاً أن أؤكد من جانبى أن هذه الإتفاقية لم تكن كاملة أو متكاملة أو مثالية بل كان بها بعض جوانب القصور وقد يرجع ذلك في رأيى إلى أن مصر قد خاضت هذه المعركة السياسية بمفردها – للأسف – بعد الرفض العربي الغير مبرر الذي تبلور في أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس 1977، وبالرغم من ذلك فقد نجحت مصر في أن تحصل على الحد الأقصى المتاح – فى هذا الوقت – من التنازلات الإسرائيلية والتعهدات الأمريكية ، كما نجحت في أن تدفع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيحين والرئيس الأمريكي جيمى كارتر على التوقيع على العديد من الإلتزمات التي تحسب في النهاية لصالح القضية الفلسطينية .
وإذا كانت هذه الإتفاقية قد أصبحت من الناحية الواقعية فى ذمة التاريخ إلا أن القضية الفلسطينية التي تعدى عمرها أكثر من نصف قرنٍ من الزمان تستحق أن نقف أمام كافة القرارات والإتفاقات التي عالجتها على مدار العقود السابقة منذ عام 1948 وليس فقط منذ عام 1967 ، وسوف تظل كل هذه الوثائق مسجلة في تاريخ القضية سواء قبلناها أو رفضناها ، كما سيظل هدفنا الأسمى أن نحاول الإستفادة من دروس الماضى على أمل التوصل إلى تحقيق تسوية سياسية عادلة فى المستقبل الذى نأمل أن تكون قريبة رغم أن كافة المعطيات لا تبشر بذلك .
ولعل كل أو بعض من يقرأ بإمعان التفصيلات التي تضمنتها إتفاقية إطارالسلام الشامل يمكن أن يتسائل حتى بينه وبين نفسه هل إذا كان العرب والفلسطينيون قد قرروا التجاوب مع مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات منذ 43 عاماً وإنخرطوا في العملية التفاوضية على أساس هذه الإتفاقية بكل ما تضمنته من إلتزمات ومبادئ وحتى بكل إيجابياتها وسلبياتها ، وهل كان يمكن أن تؤدى هذه المفاوضات – مهما طال أمدها – إلى إقامة الدولة الفلسطينية خاصة إذا كانت مستندة على موقف عربي قوي وموحد يماثل ذلك التضامن العربي الفريد الذى شهدناه فى حرب أكتوبر 73 المجيدة ووقوف الدول العربية بجانب مصر عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً .
وفي نفس الوقت فقد يكون لي الحق في أن أطلب من كل من يقرأ هذه الإتفاقية أن يقف قليلاً – ليس كمؤيد أو كمعارض – ويحاول أن يلقى نظرة محايدة على الوضع الحالي على المستويات العربية والفلسطينية والإقليمية والدولية حتى يرى مدى صعوبة الموقف الراهن وحجم المشكلات المثارة في ليبيا وسوريا لبنان واليمن والعراق والإنقسام الفلسطينى والحكومات الإسرائيلية المتطرفة المتعاقبة وقطار الإستيطان والتهويد وعودة الإرهاب والتطرف وتراجع القضية الفلسطينية وضعف الدور الأمريكى، ثم يحاول أن يعقد مقارنة سريعة بين الوضع القائم حالياً والوضع الذي كان قائماً منذ أربعة عقود ويتسائل كيف وصلت القضية الفلسطينية إلى هذا الوضع شديد الصعوبة ثم ماذا لو كانت المفاوضات الجادة قد بدأت منذ أربعة عقود وهى مستندة على قوة دفع قد لا تتكرر ؟ .
سوف أحاول فى هذا المقال أن أوضح من خلال النصوص التي تضمنتها الإتفاقية كيف تحركت مصر في الملف الفلسطينى خلال حقبة كامب ديفيد والذي تم على مرحلتين أساسيتين :
المرحلة الأولى وتتمثل في التحرك الذي تم بعد زيارة الرئيس السادات للقدس فى نوفمبر 1977 وقبل توقيع معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل .
المرحلة الثانية وتتمثل في التحرك الذى جاء بالتزامن مع توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل فى مارس 1979 وفي أعقابها وذلك من خلال الإتفاقات التي وقعتها مصر مع كلٍ من إسرائيل والولايات المتحدة وكذا المذكرات والخطابات المتبادلة فى هذا الشأن والنتائج التى تم التوصل إليها.
المرحلة الأولى : الإتفاقات التى تمت قبل توقيع معاهدة السلام
إتفاق إطار السلام الشامل فى الشرق الأوسط
المبادئ الرئيسية
أن القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية للنزاع بين إسرائيل وجيرانها هى تنفيذ جميع البنود والمبادئ الواردة فى قرارى مجلس الأمن رقمى 242 و 338 .
أن السلام يتطلب إحترام السيادة والوحدة الإقليمية والإستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة وحقها فى العيش فى سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها .
يمكن للأطراف الموافقة على ترتيبات أمن خاصة مثل مناطق منزوعة السلاح ومناطق ذات تسليح محدود ومحطات إنذار مبكر ووجود قوات دولية وإجراءات يتفق عليها للمراقبة وذلك على أساس التبادل .
أن هذا الإطار هو الإطار المناسب ليشكل أساساً للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فقط بل بين إسرائيل وكل جيرانها .
ضرورة أن تشترك مصر وإسرائيل وممثلى الشعب الفلسطينى فى المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية.
الإجراءات التنفيذية
إتفاق مصر وإسرائيل على أنه من أجل ضمان نقل منظم وسلمى للسلطة – مع الأخذ فى الإعتبار الإهتمامات الأمنية – يحب أن تكون هناك ترتيبات إنتقالية بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات لتوفير حكم ذاتى كامل لسكان الضفة الغربية وغزة .
أن الحكومة الإسرائيلية ( العسكرية وإداراتها المدنية ) سوف تنسحبان من الضفة وغزة بمجرد أن يتم إنتخاب سلطة الحكم الذاتى من قبل السكان الفلسطينيين .
إتفاق مصر والأردن وإسرائيل على وسائل إقامة سلطة الحكم الذاتى المنتخبة من خلال وفد يضم مصر والأردن وممثلى الضفة الغربية وغزة أو فلسطينيين آخرين طبقاً لما يتم الإتفاق عليه .
أن المفاوضات التى سوف تتم بين الأطراف سوف تبحث إتفاقية تحدد مسئوليات سلطة الحكم الذاتى التى سوف تمارس فى الضفة وغزة .
سوف يكون هناك إعادة توزيع للقوات المسلحة الإسرائيلية كما سيكون هناك إعادة توزيع للقوات الإسرائيلية التى سوف تبقى فى مواقع أمن معينة .
يتم تشكيل قوة بوليس فلسطينية محلية قوية قد تضم مواطنين أردنيين وسوف تشترك القوات الإسرائيلية والأردنية فى دوريات مشتركة لضمان أمن الحدود .
الفترة الإنتقالية
تبدأ الفترة الإنتقالية ( الخمس سنوات ) عند قيام سلطة الحكم الذاتى فى الضفة وغزة فى أسرع وقت ممكن دون أن تتأخر عن العام الثالث بعد بداية الفترة الإنتقالية ( أصر مناحم بيجين على أن يتم النص على كلمة “مجلس إدارى” بعد كلمة سلطة الحكم الذاتى ) .
تهدف المفاوضات إلى تحديد الوضع النهائى للضفة وغزة وعلاقتها مع جيرانها لإبرام معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن بحلول نهاية الفترة الإنتقالية .
تتم المفاوضات بين كلٍ من مصر وإسرائيل والأردن وممثلى الضفة الغربية وقطاع غزة .
يتم تشكيل لجنتين منفصلتين ولكنهما مترابطتين تتكون اللجنة الأولى من ممثلى الأطراف الأربعة التى ستتفاوض حول الوضع النهائى للضفة وغزة ، أما اللجنة الثانية فتتكون من ممثلى إسرائيل وممثلى الأردن والتى سيشترك معها ممثلو الضفة وغزة للتفاوض بشأن معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن .
ترتكز المفاوضات على أساس جميع مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 242 وستقرر هذه المفاوضات العديد من الموضوعات من بينها الحدود والترتيبات الأمنية .
يجب أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ومتطلباتهم العادلة.
تقوم سلطة الحكم الذاتى بتشكيل قوة من الشرطة المحلية وستكون على إتصال مستمر بالضباط الإسرائيليين والأردنيين والمصريين المعينين لبحث الأمور المتعلقة بالأمن الداخلى .
النازحون
يشكل ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتى لجنة تعقد جلساتها بإستمرار وتقرر بإتفاق الأطراف صلاحيات السماح بعودة الأفراد الذين طردوا من الضفة الغربية وغزة فى 1967 .
اللاجئون
تعمل مصر وإسرائيل مع بعضهما البعض ومع الأطراف الأخرى لوضع إجراءات متفق عليها للتنفيذ العاجل والعادل والشامل لحل مشكلة اللاجئين .
مبادئ السلام الشامل
إتفاق مصر وإسرائيل على أن المبادئ التى تم الإشارة إليها ينبغى أن تطبق على معاهدات السلام بين إسرائيل وبين كل جيرانها ( مصر والأردن وسوريا ولبنان ) .
أن علاقات السلام الطبيعية تشمل ( الإعتراف الكامل – إلغاء المقاطعات الإقتصادية )
يجب على أطراف المعاهدات إستكشاف إمكانيات التطور الإقتصادى فى إطار إتفاقيات السلام النهائية بهدف المساهمة فى صنع مناخ السلام والتعاون .
إقامة لجان للدعاوى القضائية للحسم المتبادل لجميع الدعاوى القضائية المالية .
دعوة الولايات المتحدة للإشتراك فى المحادثات الخاصة بموضوعات تنفيذ الإتفاقيات وإعداد جدول زمنى لتنفيذ تعهدات الأطراف .
سوف يطلب من مجلس الأمن المصادقة على معاهدات السلام كما سوف يطلب من الأعضاء الدائمين للمجلس التوقيع على المعاهدات وضمان إحترام نصوصها .
المذكرة المصرية لتنفيذ إطار السلام الشامل
قدمت مصر مذكرة إلى الجانب الأمريكى بتاريخ 13 أكتوبر 1978 تناولت الإجراءات الواجب إتخاذها من جانب إسرائيل من أجل خلق مناخ يؤدى إلى التنفيذ السليم للمبادئ الواردة فى إتفاق إطار السلام الشامل ، وقد تضمنت المذكرة ما يلى :
مبادئ عامة
إلتزام إسرائيل بتجميد إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية وغزة أثناء مفاوضات الحكم الذاتي وهو الأمر الذي يمكن أن يشجع أطرافاً عربية أخرى للإشتراك فى المفاوضات وعلى إسرائيل أن تقوم بإرسال خطاب إلى الولايات المتحدة تؤكد فيه هذا الإلتزام .
إعلان إسرائيل بحث موضوع إنسحاب الحكومة الإسرائيلية العسكرية وإداراتها المدنية في الضفة وغزة قبل نهاية العام ( 1978 ) .
تعلن إسرائيل إستعدادها للتعامل مع أي جماعة فلسطينية تقبل قرار مجلس الأمن رقم 242 .
إجراءات بناء الثقة
تجميد إسرائيل إنشاء المستوطنات في الضفة وغزة مع إزالة عدد من المستوطنات.
أن عرب القدس الشرقية سوف يشتركون في إنتخابات إقامة السلطة الفلسطينية .
إستعداد إسرائيل للسماح للمصارف العربية في الضفة وغزة بإستئناف عملياتها التجارية وإعادة الأرصدة المصادرة أو المجمدة .
رفع الحظر عن الإجتماعات السياسية والسماح بحرية التعبير في الضفة وغزة .
إلغاء القيود على حرية الحركة بالنسبة لسكان الضفة وغزة داخلياً وخارجياً .
وقف المناورات العسكرية الإسرائيلية فى الضفة وغزة .
منح العفو للمسجونين السياسيين الفلسطينيين .
جمع شمل الأسر الفلسطينيةعن طريق عودة عدد من النازحين منذ 67 .
السماح بعودة عدد من النازحين إلى الضفة الغربية وغزة على الفور .
تنفيذ مفاهيم كامب ديفيد
الموافقة على قيام الأمم المتحدة أو أية هيئة دولية بمراقبة إنتخابات سلطة الحكم الذاتى الفلسطينى .
الإنسحاب الفورى لبعض القوات الإسرائيلية من أجزاء من الضفة وغزة .
إعادة توزيع القوات الإسرائيلية المتبقية إلى مناطق معينة إنتظاراً لإعادة توزيع أخرى .
الخطابات المتبادلة بين الأطراف
قام رئيس الوزراء المصرى ووزير الخارجية الدكتور مصطفى خليل بتوجيه خطاب إلى وزير الخارجية الأمريكى سيروس فانس يتاريخ 23 فبراير 1979 بشأن المستوطنات التى أقامتها إسرائيل فى الضفة وغزة ( إنشاء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة ) والتأكيد على إنتهاك إسرائيل بهذا الإجراء لروح كامب ديفيد بالإضافة إلى عدم شرعيتها ومخالفتها للإلتزامات الإسرائيلية أمام الإدارة الأمريكية التى تعارض بدورها سياسة الإستيطان الإسرائيلى .
توجيه خطاب آخر من الدكتور مصطفى خليل إلى وزير الخارجية الأمريكى يوم 24 فبراير بشأن المفاهيم الإسرائيلية للحكم الذاتى فى الضفة وغزة وإعتبار أنها تشكل تهديداً خطيراً لعملية السلام برمتها حيث حاولت إسرائيل أن تفرغ مفهوم الحكم الذاتى من مضمونه بعد أن خشيت من إمكانية أن تؤثر السلطة الفلسطينية الجديدة المنتخبة على سيطرتها على الضفة وغزة .
المرحلة الثانية : الإتفاقات التى تمت فى أعقاب توقيع معاهدة السلام
الإتفاق التكميلى بين مصر وإسرائيل بشأن الحكم الذاتى
وقعت كل من مصر وإسرائيل ( الرئيس السادات – مناحم بيجين ) إتفاق تكميلى بشأن الحكم الذاتى الكامل فى الضفة وغزة وذلك فى نفس يوم توقيع معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية بيوم 26 سبتمبر 1979 حيث تضمن ما يلى : –
تبدأ مصر وإسرائيل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية وفقاً للمبادئ السابقة التى تم التوافق عليها مفاوضات خلال شهر من تبادل وثائق التصديق على معاهدة السلام بين الدولتين .
تهدف المفاوضات إلى الإتفاق على الترتيبات الخاصة بإقامة سلطة الحكم الذاتى المنتخبة وتحديد سلطاتها ومسئولياتها .
الإتفاق على التفاوض بصفة مستمرة وبحسن نية من أجل الإنتهاء من المفاوضات خلال عام ( 1980 ) .
تنشأ سلطة الحكم الذاتى وتبدأ عملها خلال شهر من إنتخابها وإعتباراً من هذا التاريخ تبدأ فترة الخمس سنوات الإنتقالية .
إنسحاب إسرائيل من الضفة وغزة لتحل محلها سلطة الحكم الذاتى مع إعادة توزيع القوات الإسرائيلية المتبقية فى مواقع أمن محددة .
إشتراك الحكومة الأمريكية إشتراكاً كاملاً فى كافة مراحل المفاوضات .
وفى ضوء ما سبق يمكن القول أن التحرك المصرى الذى تم فى أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس فى نوفمبر 1977 وما تم التوصل إليه فى كامب ديفيد قد نجح فى أن يحدد المبادئ الرئيسية اللازمة لأية تسوية سياسية ليس فقط للقضية الفلسطينية وإنما لسلام شامل بين إسرائيل وجيرانها وذلك من خلال النص على ما يلى : –
التأكيد على مقررات الشرعية الدولية كأساس للتسوية السياسية بين إسرائيل وجيرانها وتحديداً قرارى مجلس الأمن رقمى 242 و338 .
أن أية تسوية يتم التوصل إليها يجب أن تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى .
ضرورة تنفيذ إجراءات بناء الثقة من أحل إيجاد مناخ إيجابى للتسوية السياسية من أهمها وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية وإزالة بعضها وإنسحاب إسرائيل على مراحل .
ضرورة حل مشكلات الوضع الدائم ومن أهمها قضايا الأمن والنازحين واللاجئين والحدود مع وضع بعض الحلول التى تلتزم بها إسرائيل .
التدرج فى حل القضية الفلسطينية من خلال تحديد فترة إنتقالية يتم خلالها التفاوض من أجل تحديد الوضع النهائى ( على غرار ما تم النص عليه فى إتفاقات أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ) .
فاعلية الدور الأمريكى فى المفاوضات بإعتباره شريكاً كاملاً مع التأكيد على الدور الأردنى .
حق سكان القدس الشرقية فى التصويت خلال الإنتخابات .
الخطابات المتبادلة
وجه الرئيس الأمريكى جيمى كارتر خطاباً إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى خليل بتاريخ 26 مارس 1979 أكد فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين أكد له أنه سوف يلتزم بكافة الإلتزامات التى من شأنها دعم إجراءات بناء الثقة مع الفلسطينيين فى الضفة وغزة .
وجه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى خليل خطاباً إلى الرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى 27 مارس 1979 أكد فيه ضرورة تدخل الإدارة الأمريكية من أجل إلزام إسرائيل ببعض الإلتزامات التى سبق أن وقعت عليها مثل نقل مقر الحكومة العسكرية خارج المدن والإمتناع عن القيام بالمناورات العسكرية فى المناطق الآهلة بالسكان وإستمرارها فى سياسة الإعتقالات .
الخلاصة
حتى يكون هذا المقال موضوعياً فمن الضرورى الإشارة إلى أن التسوية السياسية في ظل ما تم التوصل إليه فى إتفاقية كامب ديفيد لم تكن في متناول اليد حينئذٍ ولم يكن من المتصور التوصل إليها بسهولة بل كانت تحتاج إلى جهود مضنية ومفاوضات مطولة وأدوات قوة وموقف عربى وفلسطينى موحد وهى أمور لم تكن متوافرة بالقدر المطلوب خاصة وأن مصر كانت تتعامل فى هذا الوقت مع رئيس الوزراء مناحم بيجين الذى كان يعد من أكثر القيادات الإسرائيلية تشدداً ولم يكن من المتوقع أنه سوف ينفذ كافة الإلتزامات التى وقع عليها بنفسه لاسيما وأنه حرص على أن يشمل إتفاق إطار السلام الشامل بعض المصطلحات التى يمكن أن تجد له بعض المبررات للتهرب مما إلتزم به مثل مصطلح ” المجلس الإدارى ” وهو أمر متوقع فى مجال التعامل مع إسرائيل التى لاتزال تنتهج هذا الإسلوب حتى الآن .
وبالرغم من كل ذلك فلاشك أن الحسابات المنطقية المجردة من أية أغراض أو أهداف خاصة لابد أن تصل إلى نتيجة رئيسية مفادها أن الزخم الإيجابى الشديد الناجم عن زيارة الرئيس السادات للقدس منذ 44 عاماً وما أعقبها من التوقيع على العديد من الإتفاقات والخطابات المتبادلة أوجد قوة دفع إستثنائية وغير مسبوقة كان من الممكن إستثمارها قدر المستطاع ، ومن المؤكد أن هذه القوة كانت قادرة على تغيير الواقع الفلسطينى الذى كان قائماً فى هذا التوقيت إلى الأفضل كثيراً .
أما الآن فإن إسرائيل تزيد من إحكام سيطرتها على الأراضى المحتلة وتجنى ثمار التطبيع دون أن تدفع أى ثمن من أى نوع لصالح القضية الفلسطينية ،كما أن الوضع الفلسطينى نفسه يزداد تعقيداً فى ظل الإنقسام وفى ظل حكومة إسرائيلية أسقطت ملف السلام من أجندتها وإدارة أمريكية تختلف تماماً عن إدارة الرئيس الأسبق جيمى كارتر ، وفى النهاية فإن البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد أحداً ، ولكن كان من المهم إعادة قراءة التاريخ بكل ما له وما عليه على أمل أن يستفيد الجميع من أخطاء الماضى من أجل بناء مستقبل فلسطينى أفضل حتى لو جاء من خلال إتفاقية كامب ديفيد جديدة بشرط أن نتعامل معها بواقعية لا تعنى التنازل عن الثوابت وفى نفس الوقت تحقق التسوية العادلة للقضية الفلسطينية .
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية