ندوات
الحرب الرابعة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية الأبعاد والأدوار وتقييم النتائج والسيناريوهات المستقبلية
عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يوم الاثنين 24 مايو 2021، ندوة بعنوان (الحرب الرابعة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية) بهدف تقييم الأبعاد والأدوار وتقييم النتائج والسيناريوهات المستقبلية. بدأت الندوة بكلمة افتتاحية للمدير العام للمركز د. خالد عكاشة، أشار فيها إلى أهمية التقييم والخلاصات الخاصة بالحرب الرابعة، في ضوء تشكل حزمة من المتغيرات في عمر القضية الفلسطينية وانعكاساتها على المشهدين الإقليمي والدولي، ومدى تأثير ذلك على القضية الفلسطينية في ضوء ثلاثة مشاهد؛ أولها: دوافع اندلاع الحرب، وثانيها: مشهد الحرب، وثالثها: مشهد اليوم التالي والمتغيرات المستقبلية المحتملة. كما أشار إلى محورية الدور المصري كلاعب وفاعل رئيسي على الأرض، وتطورات الدور في إطار…
عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يوم الاثنين 24 مايو 2021، ندوة بعنوان (الحرب الرابعة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية) بهدف تقييم الأبعاد والأدوار وتقييم النتائج والسيناريوهات المستقبلية.
بدأت الندوة بكلمة افتتاحية للمدير العام للمركز د. خالد عكاشة، أشار فيها إلى أهمية التقييم والخلاصات الخاصة بالحرب الرابعة، في ضوء تشكل حزمة من المتغيرات في عمر القضية الفلسطينية وانعكاساتها على المشهدين الإقليمي والدولي، ومدى تأثير ذلك على القضية الفلسطينية في ضوء ثلاثة مشاهد؛ أولها: دوافع اندلاع الحرب، وثانيها: مشهد الحرب، وثالثها: مشهد اليوم التالي والمتغيرات المستقبلية المحتملة.
كما أشار إلى محورية الدور المصري كلاعب وفاعل رئيسي على الأرض، وتطورات الدور في إطار الرؤية الاستراتيجية المصرية لوضع القضية الفلسطينية على مسارها الصحيح من خلال إعادة ترتيب المشهد الداخلي وإحياء عملية السلام من خلال الثقة في الدور المصري إقليميًا ودوليًا.

وأدار الندوة اللواء محمد إبراهيم، نائب المدير العام للمركز، الذي أشار في تقديم الندوة إلى التحرك السريع للدولة المصرية وقيادتها السياسية للتعامل مع كافة أبعاد المشهد وليس مشهد الحرب فقط. وأضاف أن هناك مؤشرات تُنبئ عن تغير قادم في معادلة القضية الفلسطينية ستنتج معطيات جديدة، والمهم هو استثمار حالة الزخم الحالية، حتى لا نفقدها وتتراجع القضية الفلسطينية مرة أخرى.
وتناول المحور الأول من الندوة تقييم الموقف العسكري خلال الحرب، وفيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية أشار اللواء د. أ.ح. محمد قشقوش، عضو الهيئة الاستشارية بالمركز، إلى أن الفصائل الفلسطينية امتلكت قدرات نوعية في هذه الحرب، لكن غزة دفعت ثمنًا كبيرًا مقابل حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية. ولا تزال إيران هي اللاعب المحوري في بناء القدرات العسكرية للفصائل. في المقابل، فإن إسرائيل في مأزق، وستضع حساباتها المستقبلية نتائج هذه الحرب عسكريًا، على مستوى تطوير قدرات الدفاع أولًا بالنظر إلى تباين المواقف حول فاعلية “القبة الحديدية” في مقابل معدل الكثافة الهائل في إطلاق الصواريخ من القطاع، كما أنها لن تغامر بحرب على جبهات متعددة في المستقبل القريب.
وفي السياق ذاته، قال أحمد عليبه رئيس حدة التسلح بالمركز، إنه فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي يمكن التمييز بين مشهدين، أولهما: المشهد عشية الحرب حيث كانت إسرائيل تستعد لإطلاق أضخم مناورات متعددة الجبهات في تاريخها العسكري لخوض حرب على جبهات متعددة، وهو ما يحمل دلالة بأن إسرائيل كانت في وقت تحشد كامل طاقتها وقدراتها العسكرية، وهو ما يعني أن من المفترض أن تكون في أفضل استعداداتها العسكرية، ولكن النتيجة كانت كاشفة أن إسرائيل لم تكن لديها حسابات دقيقة حول قدرات الفصائل بعد 7 سنوات منذ اندلاع آخر جولة بين الطرفين، وهو ما يؤكد على ما توصل إليه اللواء قشقوش من أن إسرائيل لن تغامر بخوض معركة متعددة الجبهات على أكثر من جبهة، إذ لا تقل قدرات الفصائل الفلسطينية كمًّا ونوعًا عن قدرات الوكلاء الإيرانيين في اليمن ولبنان والعراق، كما أنها لم تختبر المواجهة مع “حزب الله” على سبيل المثال منذ نحو 15 عامًا. كما يعكس الأداء الإسرائيلي خلال الحرب فجوات أخرى في القيادة تتعلق بتصدع الجبهة الداخلية كانعكاس لفشل إدارة الدفاع المدني، فضلًا عن غموض الأهداف، فهل كان الهدف هو مجرد استنزاف قدرات الفصائل الفلسطينية؟ أم أن هناك أهدافًا أخرى؟ لا سيما وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي طرح عنوانًا فضفاضًا هو “حماية مواطني إسرائيل”، وهو ما لم يحدث. وانعكس في نتائج مشهد اليوم التالي، حيث كانت إسرائيل في مأزق إنهاء الحرب.
كما أشار الباحث بالمركز شادي محسن في سياق استعراضه التقديرات الاستراتيجية لمراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية إلى أنه كان هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية؛ أولها يتعلق بالتقييم العملياتي وأداء الجيش الإسرائيلي والذي كان متأرجحًا جدًا بين الإخفاق والإنجاز، فقد كانوا غير قادرين على تحديد انتصار أو هزيمة الجيش الإسرائيلي، وطرحت تساؤلات من قبيل: هل حققت إسرائيل أهدافها من الحرب؟ وما مدى فعالية أداء القبة الحديدية؟. وهناك من رأى أن الإخفاق يستدعي إتمام العملية العسكرية، وأن القبة الحديدية قد أخفقت. وثانيها: رصد انعكاسات الحرب على المستوى السياسي والعسكري داخل إسرائيل والتي كانت سلبية. مقابل الصورة الإيجابية لحماس في الداخل الفلسطيني المحتل. وثالثها: على المستوى العسكري، ورأوا أن منظومة الردع لم تحقق هدفها، وهو ما يستدعي إعادة تقييم “القبة الحديديه” في حال استمرار العمل بها، وترميمها أو البحث عن بدائل. وأضاف شادي أن هناك مؤشرًا نوعيًا رصد في هذا السياق وهو مؤشر الجبهات المنفلتة (فقدان السيطرة) والتصدع في الجبهة الداخلية، وخروج مظاهرات ضد إسرائيل في القدس من (عرب 48)، وهو ما لم تتوقعه الحكومة التي كانت ترى أن خوض الحرب يتطلب تماسك الجبهة الداخلية، وهو ما اعتُبر إخفاقًا كبيرًا. وفي المقابل، اقترحت بدائل منها تعزيز قدرات الدفاع المدني، وضرورة وجود وحدات شعبية بالداخل لتأمين المناطق الداخلية، وتعزيز السيادة الإسرائيلية في القدس من سياسات جديدة في القدس، وتنسيق أمني أكبر مع السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى إعادة النظر في القدرات التعبوية التشغيلية داخل الجيش الإسرائيلي.

وفي المحور الثاني من الندوة، تناول السفير سعيد أبو علي الأمين العام المساعد رئيس قطاع فلسطين العربية المحتله بالجامعة العربية، الوضع الفلسطيني، حيث أشار إلى أن الرهان على تراجع مكانة ومركزية القضية الفلسطينية هو رهان خاطئ، ولعلنا بقراءة التاريخ نستخلص ذلك بسهولة. وتناول السفير أبو علي الانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة من عنف واستعلاء على الفلسطينيين خاصة بأرض 48، بدءًا من قانون القومية أو بالاستيطان أو بما يتعلق بالقدس، وقضية الشيخ جراح والتطهير العرقي. وإخلاء الناس من الشيخ جراح تحديدًا قضية مطروحة من 30 عامًا، والإصرار على حسمها اليوم وإخلاء الناس لم يكن صدفة.
وانتقلت هذه الممارسات من طور الترتيب الأحادي للمشاريع والخطط الإسرائيلية إلى استباحة الفلسطينيين وتعمد اتخاذ إجراءات تستفز الفلسطينيين لدرجة التدخل في الصلاة بالمسجد الأقصى، مشيرًا إلى أن نتنياهو كان يبحث عن مصلحة شخصية من وراء الحرب تعيده إلى المشهد السياسي المتأزم مجددًا.
وأضاف السفير أبو علي أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية محاصرة ماليًا وسياسيًا منذ أكثر من عام، وما زال الحصار مفروضًا خاصة السياسي المختلط بقطيعة أو شبه قطيعة مع الحكومة الإسرائيلية بدون أي تسهيلات أو تنسيق. الحصار الشامل على غزة قائم. تدني مكانة القضية الفلسطينية في جدول أعمال الدولة. وأشار إلى أن هذه الحرب أنهت الحصار السياسي للسلطة الفلسطينية. واختتم حديثه بالقول إننا بحاجة إلى إعادة إعمار، ولكن هناك حاجة أكبر لعملية سلام حقيقية، وهو يتطلب إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية. كما أشار إلى أن الدور المصري المستعاد المدعوم عربيًا ودوليًا له قبول ومصداقية وثيقة بالنسبة للفلسطينيين، وهو دور مركزي وقيادي، ومصر لم تخذل غزة ولا فلسطين، فمصر نصرت غزة وفلسطين.
وعلى صعيد الموقف السياسي الإسرائيلي، اتفق سفير مصر السابق لدى إسرائيل حازم خيرت في مداخلته على أن نتنياهو كان يسعى إلى مجد شخصي، وتطرق السفير خيرت إلى موقف عرب 48 بأنه كان موقفًا لافتًا أكد على وفائهم للقضية الفلسطينية. واستعرض العديد من المواقف من منطلق الخبرة العملية التي توضح هذا السياق، وتطرق إلى وضع القدس. مشيرًا إلى أن ما جرى هو غطرسة إسرائيلية، فالأحياء العربية تعبق بالتاريخ، والعائلات هناك راسخة، مما يجعل من الطبيعي أنه بقيام إسرائيل بمحاولة تغيير هذا يُنذر بانتفاضة بأي وقت. أما بالنسبة لمشكلة حي الشيخ جراح، فإن الحكومة الإسرائيلية تقوم بفرض ضرائب باهظة على ساكنيه من المقدسيين، كنوع من الضغط عليهم، وهو ما يعني أن هذه القضية ستعود للظهور مرة أخرى.
على المستوى الداخلي أيضًا استعرض د. صبحي عسيلة الخبير بالمركز، مؤشرات استطلاعات الرأي المتاحة والمؤشرات السابقة في الحرب السابقة، مشيرًا إلى أنه على الصعيد الإسرائيلي وفقًا للمؤشرات السابقة في حرب 2014، سنجد أنه مع كل خوف سواء كان حقيقيًا أو مفتعلًا يتجه الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين. فعقدة الخوف عند الإسرائيليين مبالغ بها للغاية، ونتنياهو يُدرك ذلك بدقة، ويعرف كيف يستفيد منه. أما على الجانب الفلسطيني فربما سيغير الوضع في المرحلة الحالية بعد الحرب في أسهم حركة حماس نسبيًا على الرغم من أن آخر استلاع للرأي منحها 22%، في حين منح حركة فتح 38% بما يؤكد أن حركة فتح ليست مأزومة. أما فيما يخص استطلاع رأي الفلسطينيين بالنسبة لطريقة تسوية الصراع، فما زال أغلبهم يؤيدون تسوية الصراع بالطرق السلمية، ويأتي تأييد العمل المسلح كسبيل تاليًا وبفارق كبير. وبالنسبة لحل الدولتين لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين فما زال يلقى دعمًا كبيرًا من الجانبين، وإن كان يقل مقارنة بتزايد عدم الموافقة عليه في الآونة الأخيرة.
في المحور الثالث من الندوة الذي تناول الأوضاع الخارجية ومواقف القوى الدولية من الحرب الرابعة، وبدأه الدكتور محمد كمال عضو الهيئة الاستشارية بالمركز، والذي تناول التحرك الأمريكي خلال الحرب ليشير إلى الموقف الأمريكي الذي يتلخص في مقولة شائعة هي “إذا أردت الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط، فالشرق الأوسط لن يبتعد عنك”. فإدارة بايدن وصلت بأولويات واضحة ومحددة هي موضوعات الداخل (كورونا والاقتصاد) والخارج (الصين وروسيا، والشرق الأوسط هو الملف الإيراني)، وبالتالي فموضوع القضية الفلسطينية لم يكن له أولوية على الإطلاق. ما حدث بالضبط في الولايات المتحدة هو أن الإدارة تلقّت تحذيرات من تصاعد الأحداث بعد أحداث الشيخ جراح، ولكنها تجاهلت ذلك، وتفاجأت بتطور الأحداث، وكان هذا أيضًا سببًا في تأخر التفاعل والرد. كما يكمن سبب التدخل في وجود اهتمام داخلي، فما يحدث في فلسطين لا يبقى في فلسطين، ووصل إلى وسائل الإعلام الأمريكية والرأي العام هناك، وكذلك فإن الإدارات الديمقراطية غالبًا ما تتأثر بالإعلام أكثر من الإدارات الجمهورية في ظل وجود إعلام ليبرالي مؤيد لها مثل “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” اللتين قدمتا تغطية متوازنة جدًا وأبرزتا حال التدمير والأثر الإنساني الذي حدث. بالإضافة إلى ظهور الجناح التقدمي (مجموعة من الشباب الذين رغم عددهم القليل في الكونجرس، إلا أن لهم قاعدة شعبية كانت سببًا رئيسيًا في نجاح بايدن)، فضلًا عن ضغوط من الحلفاء الدوليين لدفع التحرك الأمريكي. وخلص د. كمال إلى أن هناك اهتمامًا أمريكيًا أكبر عما كان عليه قبل الأزمة، مع التركيز على البعد الإنساني وإعادة الإعمار، بالاضافة إلى أن واشنطن ربما سيختلف موقفها تجاه أي تصرف إسرائيلي انفرادي فيما يتعلق بالقدس أو المستوطنات.
وفي السياق ذاته، قال أ. عزت إبراهيم الخبير بالمركز، في مداخلته حول المتغيرات الداخلية في الولايات المتحدة والتي بدأت بدعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل. ثم بدأ الموقف في التغير بعد زيادة الاشتباك لموقف أقل تضامنًا مع إسرائيل. وبالانتقال للتحالف الأمريكي الإسرائيلي فمن المتصور أنه على المدى القصير سيظل كما هو في دعمه المطلق لإسرائيل، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود مشاكل تحت السطح، حيث لم تعد العلاقات كالسابق، وهو ما يرجع لعدد من الأسباب، أبرزها وجود أجنحة قد تبشر بطلاق على المدى الطويل، أولها التيار التقدمي بزعامة “بيرني ساندرز” وصعوده وتحركه النشط بالكونجرس. كما يمكن ملاحظة بداية الانشقاق في هذا الحلف، من خلال مواقف تيار الوسط الديمقراطي، الذي يملك علاقات قوية مع “إيباك”، باقتراحهم الحد من التسليح لإسرائيل للحد من قتل المدنيين في نغمة تُعد جديدة. هذا الانقسام الذي يزداد اتساعًا بدأ وقت أن أتى نتنياهو للكونجرس في فترة أوباما للحديث عن إيران، إلا أنه عند عودته لإسرائيل قد صرّح بأن حل الدولتين قد انتهى، وهو ما مثّل انقسامًا يمينيًا أكثر بالحزب الجمهوري، ونحو التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي، وهو ما دفع لاتخاذ مواقف أقل تعاطفًا مع إسرائيل بالتيار اليساري بالحزب الديمقراطي، الذي يرى أن إسرائيل لا تريد حل الدولتين وتعرقل عملية السلام. وقد دفع كذلك ميل إسرائيل باضطراد نحو اليمين وتشددها إلى بُعدها عن تيارات الوسط واليسار بالحزب الديمقراطي، وكذلك عن النخبة اليهودية.

على الصعيد الدولي أيضًا تناول د. توفيق أكليمندوس رئيس وحدة الدراسات الأوروبية بالمركز، المواقف الأوروبية، مشيرًا إلى أنها كانت مواقف متباينة، وتوقف على عاملين، أولهما: إدراكات النخبة الحاكمة، وثانيهما: حجم المصالح مع إسرائيل والدول العربية. إلا أن هذا لا يمنع وجود قواسم مشتركة تتمحور حول فكرة أن التعاطي مع القضية الفلسطينية أصبح من منطلق سياسة داخلية أكثر منه سياسة خارجية، وهو ما يرجع إلى عدة أسباب، هي: تزايد أعداد المسلمين بتلك الدول، والحاملين لجنسياتها والمنخرطين في النشاط السياسي، وكذلك اكتشاف اليسار لقضية العنصرية الإسرائيلية.
كما استعرض أكليمندوس عددًا من المواقف الأوروبية البارزة، منها الموقف الألماني، مشيرًا إلى أن النخبة السياسية حتى من القائمين على الحزب اليميني المتشدد وهو “البديل من أجل ألمانيا” باستثناء طفيف هو حزب الخضر؛ تُعد متعاطفة مع إسرائيل. أما من ناحية التحرك، فيمكن القول بصفة عامة إن الألمان سيستمرون في إعلان دعمهم لإسرائيل، ولكنهم سيتجهون -بالوقت ذاته- إذا ما سمحت الظروف بذلك لتقديم دعم مالي قوي لإعادة الإعمار، وكذلك تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية.
وعلى صعيد الموقف الفرنسي، فقد خَلُص إلى أن فرنسا لا تملك أوراقًا كثيرة في القضية، لكن يمكنها الضغط بقوة سياسيًا نحو حل الدولتين. أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فإن لديها نفس مشكلة فرنسا وإن اختلفت النسب. إلا أن هناك اختلافًا أساسيًا هو أن “بوريس جونسون” يُعتبر صديقًا لإسرائيل. لكن على المستوى الرسمي فهو يؤكد دومًا على حل الدولتين، وضرورة خفض التوتر، وأنه يجب على حماس التوقف عن تهديد المواطنين، مع ضرورة أن تتجنب إسرائيل استهداف المدنيين. وبالنسبة للموقف الإيطالي، نجد أنه برغم إظهار محاولاتها اتخاذ سبيل وسط إلا أن هناك تعاطفًا مع إسرائيل، رغم وجود نشاط يساري يدعم فلسطين. كما تناول الموقف الروسي الذي وصفه بالغامض، فالرئيس فلاديمير بوتين لا يمكن اعتباره شخصًا معاديًا للسامية، بالإضافة إلى أن هناك نسبة كبيرة من رجال الأعمال المتحالفين معه، هم من اليهود. يُضاف إلى ذلك أن لديه مصلحة مباشرة في التعامل مع إسرائيل بسبب سوريا، وكذلك مصلحتهما المشتركة في تخفيض الخطر النووي الإيراني، وكذلك نفوذها في سوريا.
وفي المحور ذاته، تناول د. عبدالمنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية للمركز، المواقف الدولية تجاه الدور المصري، مشيرًا إلى أن الجانب المصري مهم في هذه المعادلة لأكثر من سبب، فمصر في مرحلة بناء مهم لذاتها، وهي في مرحلة دقيقة حتى نهاية هذا العهد 2030، ويهمها تحقيق استقرار إقليمي لحماية عملية البناء الجارية، وبالتالي لا ينبغي إهمال هذا العنصر في عملية البناء أو تجاهله، وما أتصوره أن العقيدة الأمنية لمصر هي حماية البناء الداخلي، وألا يحدث لها أي عرقلة لأسباب لا نملكها. وأضاف د. سعيد، أن هناك حديثًا عن حل الدولتين، ولكن هناك كلام أكثر عن دولة واحدة قائمة على ترجمة الأمر الواقع، حيث الاعتماد المتبادل القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حقيقة سياسية، وتكون القضية هي المطالبة بالمساواة، وهو الشعار الأساسي لعرب وفلسطينيي 48، وذلك هو أحد الخيارات المطروحة على الطاولة. مضيفًا: الخيار الآخر هو العودة لتكوين موقف دولي مماثل لمؤتمر مدريد، وأشار إلى أنه يمكن أيضًا السير في مسار بين حل الدولتين والدولة الواحدة الذي يقوم على الحل الكونفيدرالي، دولتين مستقلتين تجمعهما علاقات اقتصادية وأمنية واحدة، وهنا القدس يمكن أن نجد لها حلًا بين الطرفين في إطار الحل الكونفيدرالي. وقال إن هناك حلًا آخر مطروحًا هو “الحل الإقليمي”، فإذا كان ممكنًا في وقت من الأوقات أن تتحرك القضية فستكون من خلال جهد إقليمي موحد.
وفي المحور الرابع المتعلق بالوضع الإقليمي، أشار د. محمد مجاهد الزيات عضو الهيئة الاستشارية بالمركز، إلى أن الموقف الإيراني كان حاضرًا خلال الأزمة في ظل العديد من المؤشرات، أبرزها اتصالات من قائد فيلق القدس مع القادة العسكريين لحماس والجهاد. وبحسب المصادر الإيرانية، كان هناك إصرار من إيران على إصدار بيانات تقول إنها أجرت اتصالًا مع قائد فيلق القدس، وتأكيد الأخير على تقديم بلاده للدعم العسكري، لتأكيد أن إيران موجودة منذ البداية. وجاء الموقف الإيراني على هذا النحو برغبة من فيلق القدس للتأكيد على أنه موجود، وأنه بصدد تحريك قوة جديدة في الإقليم، ليست عسكرية فقط وإنما سياسية كنموذج الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، كما أنها أرادت توجيه رسالة لإسرائيل بأنها تواجه جبهة واحدة وأنها قادرة على تحريك جبهتين أيضًا في لبنان وسوريا. لا سيما وأن الحضور الإيراني العسكري في سوريا موجود ولم يتم تقويضه، وتدرك إيران أن أذرعها في المنطقة أحد الملفات المفتوحة في فيينا، ولذلك فهي تريد أن تدعم موقفها قبل المناقشة ليكون الثمن مرضيًا، كما أرادت تقديم رسالة بأن التقدم التكنولوجي في أوجه، وتستطيع تطويره أكثر من ذلك.
وبالانتقال إلى الموقف التركي، قال د. الزيات إن هذا الموقف يعبر عن طبيعة أردوغان في تعامله السياسي مع أزمات المنطقة بالتعبير الشعبوي الأساسي، حيث إجراؤه مجموعة من الاتصالات لقيادات بالمنطقة ليقول إنه يحرك المجتمع الدولي لمواجهة العنف الإسرائيلي، ووجه اتهامات كثيرة لإسرائيل كما يوجهها دائمًا ولكنه لم يذهب إلى حد بعيد لأنه كان يراهن على التقارب مع إسرائيل التي ترفض التجاوب معه بصورة كبيرة لتعامله مع حماس، فهو تحرك لا يؤثر على استراتيجيته بالمنطقة. كما ارتبط التحرك التركي أيضًا وفقًا لاعتبارات داخلية متعلقة بتراجع شعبيته وتخوفه من الانتخابات القادمة، كما أنه انطلق من اعتبار داخلي مرتبط بتوجيه أنظار الداخل والأحزاب إلى قضية خارجية لصرف النظر عن قضايا الفساد. وأضاف د. الزيات أن قطر كانت حاضرة منذ البداية وحتى النهاية، وكانت على صلة بالجهد المصري. وعلى الجانب الآخر، رفضت إسرائيل استمرار تقديم قطر الدعم المادي للقطاع عبر حماس. في المقابل، لم يكن هناك زخم لاتفاقيات السلام الإبراهيمي كفاعل مؤثر في الأحداث أو يمكن الرهان عليه في ترتيبات لاحقة.
وفي ختام الندوة قال اللواء محمد إبراهيم، إن الزخم الكبير حول الدور المصري يستتبع البناء عليه، فمصر هي المؤهلة لأن تقود في المرحلة الحالية عملية دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام في إطار حل الدولتين. وعليه، فالمهم الجلوس إلى طاولة واحدة واستئناف المفاوضات لا سيما في ظل سقوط صفقة القرن. كما قال د. خالد عكاشة إن أهم المتغيرات التي حدثت هي عودة القضية الفلسطينية كقضية مركزية على المستوى العربي، وعلى رأس أولوية المجتمع الدولي. واليوم، نقول بارتياح شديد إن جهد الفلسطينيين لم يذهب سدى بعد سقوط “صفقة القرن”، وهو ما يدفعنا لنمضي قدمًا حتى يكون المشهد القادم لصالح القضية الفلسطينية.