ندوات
الاقتصاد الإنساني في النزاعات الممتدة: تجديد أساليب العمل الإنساني في مناطق الصراع
استضاف المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الخامس من مايو الجارى الدكتور جيل كاربونير، نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث ألقى محاضرة تحت عنوان: “الاقتصاد الإنساني في النزاعات الممتدة”. تأتي أهمية المحاضرة من المنصب الرفيع للدكتور كاربونير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومن خلفيته العريضة في العمل الإنساني، وأيضا من منصبه وإسهاماته الأكاديمية كعالم بارز في علم الاقتصاد. افتتحت الجلسة بكلمة للواء محمد إبراهيم، نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأدار الجلسة الدكتور جمال عبد الجواد، مدير برنامج السياسات العامة بالمركز. افتتح دكتور جيل كاربونير المحاضرة بتوجيه الشكر للمركز المصري، واستهل كلمته بأن الأزمات الإنسانية الممتدة في سوريا والعراق…
استضاف المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الخامس من مايو الجارى الدكتور جيل كاربونير، نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث ألقى محاضرة تحت عنوان: “الاقتصاد الإنساني في النزاعات الممتدة”. تأتي أهمية المحاضرة من المنصب الرفيع للدكتور كاربونير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومن خلفيته العريضة في العمل الإنساني، وأيضا من منصبه وإسهاماته الأكاديمية كعالم بارز في علم الاقتصاد.
افتتحت الجلسة بكلمة للواء محمد إبراهيم، نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأدار الجلسة الدكتور جمال عبد الجواد، مدير برنامج السياسات العامة بالمركز.
افتتح دكتور جيل كاربونير المحاضرة بتوجيه الشكر للمركز المصري، واستهل كلمته بأن الأزمات الإنسانية الممتدة في سوريا والعراق وغيرها جعلت اللجنة الدولية تفكر في مقاربة جديدة خصوصًا في ظل الطبيعة المتغيرة للصراعات المعاصرة. فعند تأسيس اللجنة الدولية كانت الحروب تدور بين جيوش نظامية، مما يسهل عمل اللجنة في التواصل مع الأطراف، وذلك على عكس الصراعات الدائرة اليوم، والتي تدور بين أطراف عدة تتغير مواقفها وعلاقات القوى بينها وقياداتها بسرعة، وضرب مثال بالحالة الليبية حيث أشار إلى أن الصليب الأحمر قد يضطر للتعامل مع 16 من الأطراف الليبية في سبيل أداء مهمة معينة، الأمر الذي يزيد صعوبة العمل، ويزيد من خطورته، لأن ما يتم الاتفاق عليه اليوم يمكن أن يتم تغييره لاحقًا؛ خاصة وأن موظفي الصليب الأحمر لا يحملون السلاح، ولا يستعينون بأى خدمة للحماية المسلحة، وذلك لتأكيد الحياد، ولكسب ثقة أطراف الصراع، وللتأكيد على الطابع الإنساني لعمل الصليب الأحمر.

وأوضح كاربونير أن الحروب اليوم هي حروب مدنية لأن أكثر من يتأثرون بها هم المدنيين خصوصًا مع انتشار حالات التفجير والتفخيخ ولذلك فإن مهمة اللجنة تنصب بشكل أساسى حول حماية المدنيين فى مناطق النزاع وحماية البنية الأساسية والخدمات الصحية.
واضاف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل حول العالم، مستعينة بفريق مكون من 20 ألف موظف، يعملون في مناطق الصراعات المسلحة التي تشمل ليبيا وسوريا واليمن والسودان وإقليم التيجراي والنزاع بين أرمينيا وأذربيجان. مؤكدًا أنه من أهداف اللجنة الدولية للصليب الأحمر توفير حياة كريمة للناس في مناطق النزاعات وتوفير فرص عمل لهم، بعد أن أصبحت الصراعات ممتدة لعدة أجيال، وليست حالة استثنائية كما كان الحال قبل ذلك.
الإقتصاد والحرب ومصادر التمويل
وحول علاقة الاقتصاد بالحروب أشار نائب رئيس اللجنة الدولية إلى أنه في التسعينيات بدأ الاقتصاديون يفكرون بكيفية الربط بين الاقتصاد والحروب، حيث تم النظر إلى النزاعات المسلحة بإعتبارها أزمات كبرى تعصف بالاقتصاد ولذلك فإن الاعتماد على التحليلات الاقتصادية والحديث عن التكلفة المحتملة للحروب يساعد بشكل كبير في فهم النزاعات المسلحة الممتدة. موضحًا أن تحقيق استقرار سياسي في مناطق النزاع يتطلب بشكل آخر تحقيق استقرار اقتصادي.
وحول استراتيجية عمل اللجنة الدولية أكد أنها تستند في عملها على اتفاقية جنيف والتي تنص على كيفية التعامل مع المدنيين والعسكريين وعدم استخدام الأسلحة المحرمة وكذلك توفير الوسائل المناسبة للحد من المخاطر التي تطول المدنيين وحماية البنية الأساسية والخدمات الصحية.

مشيرًا إلى أنه ينبغى أن تكون هناك موازنة بين الضرورة الحربية والاحتياجات الإنسانية عن طريق دراسة هذه الاحتياجات عن كثب، وضرب مثلا بحالة اللاجئين السوريين في لبنان، وكيف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قامت بتوفير بطاقات ائتمان نقدية لهم للحصول على احتياجاتهم بعد أن أدركت اللجنة من خلال دراسات الحالة أن توفير أغذية عن طريق المساعدات العينية ليس الاحتياج الوحيد لللاجئين، ولذلك فإن من أهداف اللجنة توفير وسائل بديلة أكثر فاعلية للمستفيدين من خلال دراسات الحالة واستطلاعات رأى لهم للوقوف على مدى استفادتهم الفعلية من المساعدات.
وحول مصادر التمويل أشار نائب رئيس اللجنة الدولية إلى أن اللجنة تحصل على قرابة 30 مليار دولار من الجهات المانحة حيث ان أكثر من 75% من هذه الأموال تأتي من حكومات الدول المانحة بينما المتبقي يأتي من جهات خاصة ومتطوعين. وأشار نائب رئيس اللجنة الدولية إلى أن المساعدات انخفضت بالفعل خلال جائحة كورونا في الوقت الذى ازدادت فيه الاحتياجات مما خلق معضلة إنسانية أوجبت البحث عن بدائل للمجتمعات المهمشة خصوصًا في ظل انعكاسات تغير المناخ أيضًا.
وفي سياق الجائحة أيضًا أوضح أنه في ظل الأزمات الممتدة مثل جائحة كورونا فإنه يجب ن يتم الربط بين المساعدات وعملية التنمية حيث تهدف اللجنة إلى مساعدة تلك المجتمعات المهمشة لتكون أكثر قدرة على الحياة.
ولتوسيع قاعدة التمويل تم في 2014 إطلاق أداة للتمويل عن طريق الاستثمار وذلك عبر بيع السندات للمستثمرين واستخدام العوائد المالية في إنشاء مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة في مناطق النزاع في الكونغو ومالي وهذه السندات مدتها خمس سنوات يحصل بعدها المستثمر على الربح أو يخسر ما قد يصل إلى 40% من قيمة السند في حال عدم تحقيق أرباح وهو ما يعرف بالسندات الإنسانية.

واستطرد كاربونير: “السوق الإنساني يعني العرض والطلب؛ الطلب من جانب المانحين الطالبين للخدمات الإنسانية، أما العرض فيتمثل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من الهيئات، ولديك في السوق ما يسمى بالاحتياجات، وتتعلق هنا باحتياجات المتضررين وهي احتياجات إلى البقاء، فهم ليس لديهم القوة الشرائية أو القدرة على الوصول إلى البضائع، إذا نحن نساعدهم ونلبي احتياجاتهم من أجل الوصول إلى السوق والشراء منه.
وردًا على سؤال بشأن من يقوم بتقييم نتائج هذه الاستثمارات، قال الدكتور كاربونير أن شركات المراجعة والتقييم الدولية الخاصة مثل KMG هي من تتولى القيام بذلك، وقد وضعنا بعض المؤشرات الأساسية معهم لقياس الأثر، وهم يقومون بعمليات التقييم والمراقبة، فإذا ما نجحنا في تقديم الخدمات، على سبيل المثال، لأصحاب الاحتياجات الخاصة في مركز للإعاقة، فإن المستثمر يحصل على أرباح تصل إلى 7%، وإذا ما لم نستطع تحقيق ذلك يمكن أن يفقد ما قد يصل إلى حوالي 40% من قيمة استثماراته. أما بالنسبة للمستثمر فإنه يختار أن يضع أمواله في المنظمة التي تحقق إنجازات أكبر في السوق الإنسانية”.
وردًا على سؤال يتعلق بمزايا وعيوب المعونات النقدية التي تقدمها اللجنة الدولية، قال كاربونير إن المساعدات موجودة في كل مكان وليست قاصرة على مكان ما، فنحن نحاول أن نركز على إذا ما كان يُمكن للسوق أن يمدنا بالبضائع والخدمات استجابة لطلب اللاجئين، فهم لديهم المال ويريدون أن يشتروا أغذية والأشياء الأساسية الأخرى، ولابد أن نتأكد أن هناك تجار وآلية للسوق تقدم تلك الخدمات.
وأضاف: الحالة الأصعب كانت في الفترة بين 2008 و2011 حيث كانت هناك مجاعة في الصومال لذلك قدمنا استجابة تقليدية في شكل أطعمة ولكننا حاولنا إدخال المعونات النقدية أيضًا، والبعض قال “إنك مجنون” فوسط مجاعة في الصومال تقدم لهم نقدًا، لكن كما قلت لابد أن نثق في الإنسان، وفي الصومال هناك التجار مهرة بمجرد ظهور النقد تمكنوا من أن يأتوا بكل الضروريات دون أن يكون هناك أي مشاكل تتعلق بزيادة الأسعار، وكان هذا أمرًا مذهلًا، وتم ذلك بشكل آمن فقد تم التحويل من خلال معاملات الموبايل.
وردًا على سؤال بشأن العناية باللاجئين في لبنان على سبيل المثال على المدى البعيد، قال كاربونير أن الوكالة المعنية باللاجئين هي الهيئة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وهي المنظمة الأممية المعنية باللاجئين وتقديم المعونات لهم، وكما تعلمون الآن فإننا نرى مواقف ليست مجرد مخيمات تقليدية للاجئين لكنهم يتوزعون بين السكان، ونحاول التنسيق لنرى كيف يمكن أن نملأ الفجوات بالنسبة للمعونات مع الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين. ففي لبنان، هناك عدد كبير من اللاجئين السوريين، ونحن نذكر الدول بالتزاماتها تجاه هؤلاء، ونؤكد على أن قرارات عودة اللاجئين إلى بلادهم تتخذ بشكل لا يضر بهؤلاء اللاجئين، وهذا أيضًا جزء مما نعمل عليه مع الحكومات المختلفة”.
الأثر الإقتصادى للعنف الجنسى
وردًا على سؤال بشأن العنف الجنسي، أجاب كاربونير: اعتقد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر حساسة جدًا لوضع برنامج لمنع ثم الاستجابة للعنف الجنسي، وهي ظاهرة متكررة في كثير من النزاعات. أول هذه النقاط هو العمل مع جهات الحماية من أجل التأكد من منع ووقع هذه الحوادث مرة أخرى. والنقطة الأخرى هو العمل مع الباحثين حيث وجدوا مؤخرًا أنه عندما يقوم الجنود بتلقي أجور منتظمة و كريمة فإن مستوى العنف الجنسي يتراجع. هذا عمل نقوم به حين نرى أن هذه الطرق التي يمكننا بها أن نقلل العنف الجنسي خاصة بالنسبة للنساء والأطفال”.
واستطرد: هناك الأثر الاقتصادي للعنف الجنسي فيما يتعلق بحمل وأطفال غير مرغوب فيهم، وما يترتب على ذلك من عواقب، ولست أدرى ما إذا كانت هناك دراسات أجريت لتقيم تلك الأثار والعواقب. وأضاف: “في جمهورية أفريقيا الوسطى، قالت المزارعات أنهن لا يستطعن الخروج إلى الحقل لأنهن يتعرضن للعنف الجنسي، وعندما اتصلنا بقادة الميليشيات قالوا إنهم لا يفعلون ذلك، فطلبنا منهم توفير ممر أمن لنا لنعمل كوسيط بينهم حتى تتمكن النساء من الدفاع عن أنفسهن ضد العنف الجنسي”.
هدف العمل الإنساني بالأساس هو إنقاذ الإنسان من المآزق والكوارث التي يقع فيها، لكننا ندخل بعض المفاهيم والمصطلحات الاقتصادية التي تساعدنا على خدمة الناس بشكل أفضل، وهي في نفس الوقت تمثل تحديًا لنا ككيان يعمل في مجال الإغاثة. و نحن نحتاج للحفاظ على الحماس للعمل الإنساني بمبادئه وقيمة التقليدية المستقرة، فهذا هو وقود اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في نفس الوقت فإننا نحاول مواكبة الظروف المتغيرة للصراعات المسلحة، و مساعدة المجتمعات لتعيش حياة عادية حتى في أوقات الأزمات.
وفي كلماته الختامية، أكد الدكتور كاربونير أنه لا يوجد حلًا إنسانيًا للصراعات، وإنما هناك حل سياسي، ولكن هذه ليس من السهل التوصل إليها دائما، و نحن نحاول أن ندفع الفاعلين السياسيين للالتزام بمسؤولياتهم لحل هذه النزاعات السياسية، وكوسطاء نحاول أن نقدم المعونة الإنسانية لمن يحتاج إليها فى زمن الحرب دون تمييز ووفقا لمبدا الحياد.


