حدود الدور الأمريكى فى أزمة السد الإثيوبى

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

إكتسبت الزيارة التى قام بها المبعوث الأمريكى الخاص بمنطقة القرن الإفريقى ” جيفرى فيلتمان ” إلى مصر في الخامس من مايو الجاري أهمية خاصة في ضوء العوامل الأربعة التالية:  العامل الأول: أن المبعوث الأمريكى إلتقى مع السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو ما يعكس مدى الأهمية التى توليها القيادة السياسية لأزمة السد الإثيوبى من ناحية، مع تعويل مصر على دور أمريكى فعال لحل هذه الأزمة من ناحية أخرى.  العامل الثانى: أن المبعوث الأمريكى إستمع إلى شرح مستفيض لتطورات هذه الأزمة ورؤية مصر للحل من أعلى مستوى سياسي فى مصر حتى تكون الأمور واضحة وقاطعة ولا تقبل أي جدل .…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

إكتسبت الزيارة التى قام بها المبعوث الأمريكى الخاص بمنطقة القرن الإفريقى ” جيفرى فيلتمان ” إلى مصر في الخامس من مايو الجاري أهمية خاصة في ضوء العوامل الأربعة التالية

العامل الأول: أن المبعوث الأمريكى إلتقى مع السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو ما يعكس مدى الأهمية التى توليها القيادة السياسية لأزمة السد الإثيوبى من ناحية، مع تعويل مصر على دور أمريكى فعال لحل هذه الأزمة من ناحية أخرى. 

العامل الثانى: أن المبعوث الأمريكى إستمع إلى شرح مستفيض لتطورات هذه الأزمة ورؤية مصر للحل من أعلى مستوى سياسي فى مصر حتى تكون الأمور واضحة وقاطعة ولا تقبل أي جدل .

العامل الثالث: أن هذه التحركات تمثل أول تدخل مباشر من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة في أزمة السد الإثيوبى، وهو ما يعكس الأولوية التي تمنحها إدارة الرئيس “جو بايدن” لهذه الأزمة فى إطار إهتمامات السياسة الخارجية للإدارة الجديدة .

العامل الرابع : أن مصر كانت هى الدولة الأولى التي يتوجه إليها المبعوث الأمريكى وذلك فى إطار جولة تشمل أيضاً كل من السودان وإثيوبيا وإرتيريا، الأمر الذى يؤكد عمق العلاقات الإستراتيجية القائمة بين كل من مصر والولايات المتحدة .

وقد حرص السيد / الرئيس على أن يقوم سيادته ببلورة المبادئ التى تحكم الموقف المصرى تجاه هذه الأزمة من أجل أن تكون واشنطن على دراية كاملة بكافة جوانب الموقف، وفى هذا المجال أكد السيد / الرئيس للمبعوث الأمريكى على النقاط الرئيسية السبع التالية : 

النقطة الأولى: أن مصر إنتهجت إسلوباً مرناً فى التعامل مع هذه الأزمة منذ بدايتها وعلى مدار السنوات الماضية.

النقطة الثانية: أن النهج المصرى في المفاوضات إستند على أهمية التوصل إلى إتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً يحقق مصالح كل من مصر والسودان وإثيوبيا .

النقطة الثالثة: أن أي إتفاق يمكن التوصل إليه يجب أن يرايى حقوق ومصالح مصر وأمنها المائي وأن يمنع إلحاق الضرر بها.

النقطة الرابعة : أن جميع الجهود التي بذلت خلال عملية التفاوض لم تتوصل إلى الإتفاق الذى كنا ننشده نتيجة غياب الإرادة السياسية لدى الطرف الآخر .

النقطة الخامسة : أن مصر لازالت تسعى إلى التوصل إلى إتفاق عادل وملزم ومنصف لملئ وتشغيل السد من خلال مسار المفاوضات برعاية الإتحاد الإفريقي بقيادة الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدى.

النقطة السادسة: أن هذه القضية تعد قضية وجودية بالنسبة لمصر التي لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها .

النقطة السابعة : ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولى مسئولياته تجاه حل هذه الأزمة، مع التأكيد على أهمية الدور الأمريكي المؤثر فى هذا الشأن .

ولاشك أن هذه النقاط السبع التي أكد عليها السيد / الرئيس لا تمثل فقط رؤية القيادة السياسية ولكنها تعبر بصورة دقيقة عن موقف الشعب المصري تجاه هذه الأزمة، وفي رأيى أن السيد / الرئيس كان حريصاً على أن يوجه للمبعوث الأمريكي رسالة شديدة الأهمية ذات ثلاثة أبعاد، وأول هذه الأبعاد أن مصر لازالت حريصة على التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة من خلال عملية التفاوض رغم كل المعوقات الإثيوبية، وثانى هذه الأبعاد أن قضية المياه بالنسبة لمصر تعد قضية حياة ووجود بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، أما البعد الثالث فهو أن مصر لازلت تعول الآمال على إضطلاع واشنطن بدور مؤثر ينهي هذه الأزمة فى أقرب وقت ممكن.

وفى نفس الوقت كان المبعوث الأمريكى حريصاً من جانبه أن يؤكد خلال اللقاء مع السيد / الرئيس على أن الإدارة الأمريكية الجديدة جادة فى حل تلك القضية الحساسة نظراً لما تمثله من أهمية بالغة لمصر وللمنطقة وبما يتطلب التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة، وفي هذا الشأن من المهم أن أشير إلى أن إطار التفويض الذى يحمله ” فيلتمان “ طبقاً لبيان الخارجية الأمريكية والذى يتمثل فى إلتزام واشنطن بقيادة جهود دبلوماسية مستمرة للتعامل مع الأزمات السياسية والأمنية المتشابكة فى القرن الإفريقي.

ومن ناحية أخرى يبدو من الضرورى أن نستعرض الجهود الأمريكية التي بذلت تجاه أزمة السد الإثيوبى خلال فترة حكم الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة حيث إتخذت واشنطن مجموعة من الإجراءات الجادة للتوصل إلى حل لهذه الأزمة من خلال الخطوات المتتالية التالية

بدء التحرك الأمريكى للتعامل مع هذه الأزمة فى أعقاب الخطاب الهام الذى ألقاه السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال نهاية سبتمبر 2019 حيث طالب سيادته بوساطة دولية للضغط على الأطراف لإبداء المرونة المطلوبة .

إسراع البيت الأبيض فى أعقاب خطاب السيد / الرئيس بإصدار بيان يدعم فيه العملية التفاوضية ، ويطالب الأطراف بالتوصل إلى إتفاق بشأن قواعد ملئ وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة للأطراف الثلاثة ويحافط فى نفس الوقت على حقوقهم فى التنمية ، مع ضرورة إحترام كل طرف حقوق الأطراف الأخرى فى المياه .

قيام الولايات المتحدة بعقد إجتماع مع ممثلى الدول الثلاثة ( وزراء الخارجية والرى ) يوم 6 نوفمبر 2019 فى واشنطن بمشاركة وزير الخزانة الأمريكى وممثلى البنك الدولى ، مع قيام الرئيس الأمريكى دونالد ترمب بالإجتماع بنفسه مع هذه الوفود وحثهم على التوصل إلى إتفاق.

تم التوصل خلال هذا الإجتماع إلى بلورة آلية تفاوض تشمل ستة الإجتماعات تم تقسيمها على مستويين رئيسيين أولهما على المستوى السياسى ( إجتماعان فى واشنطن لتقييم نتائج المفاوضات) وثانيهما على المستوى الفنى ( أربعة إجتماعات تعقد بالتبادل بين الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان ) من أجل التوصل إلى الإتفاق المنشود ، مع التأكيد على مرجعية إعلان المبادئ الموقع فى مارس 2015 .

تم عقد الإجتماع الأول فى إثيوبيا يوم 15 نوفمبر 2019 بينما تم عقد الإجتماع السادس والأخير فى واشنطن فى 15 يناير 2020 حيث أسفر هذا الإجتماع عن التوصل إلى بيان خماسى من أهم بنوده ( أن عملية الملئ سوف تتم على مراحل تأخذ فى إعتبارها كميات الفيضان المتغيرة من سنة لأخرى – إلتزام إثيوبيا بالتعامل الإيجابى مع سنوات الجفاف والجفاف الممتد مع ربط سنوات الملئ بطبيعة الجفاف – المسئولية المشتركة من جانب الدول الثلاث فى عملية التشغيل ) .

كما تم عقد إجتماع خماسى جديد بمشاركة كافة الأطراف والوسطاء فى واشنطن يوم 13 فبراير 2020 تم خلاله الإتفاق على أن تقوم واشنطن ببلورة إتفاق فى صورته النهائية وعرضه على الدول الثلاث لتوقيعه فى واشنطن فى نهاية فبراير 2020 .

نجاح الولايات المتحدة وممثل البنك الدولى فى التوصل إلى إتفاق قامت واشنطن بصياغته بناء على ما توصلت إليه مفاوضات الأطراف الثلاثة ، وقد قامت مصر من خلال  وزير الخارجية السيد / سامح شكرى بالتوقيع على هذا الإتفاق بالأحرف الأولى يوم 28 فبراير 2020 تأكيداً لحسن نواياها بينما غابت إثيوبيا من الأساس عن الحضور إلى واشنطن وبالتالى لم توقع على هذا الإتفاق ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ممثل السودان حضر إلى واشنطن ولكنه لم يوقع على الإتفاق فى ضوء تعنت الموقف الإثيوبى .

وإذا ما إنتقلنا إلى الجهود الأمريكية الحالية يمكن القول أن تركيز المبعوث الأمريكى ” جيفرى فيلتمان ” خلال جولته الراهنة على قضية سد الإثيوبى وتأكيده على أهمية التوصل إلى حل سياسى لهذه الأزمة يعد خطوة أمريكية إيجابية من شأنها أن تفتح المجال أمام الدخول إلى مرحلة جديدة من المفاوضات من المفترض أن تكون مختلفة عما سبق شكلاً وموضوعاً .

وفى هذا المجال ففي رأيى أن هناك ستة مطالب أساسية من الولايات المتحدة خلال الفترة القريبة المقبلة وهى كما يلي: 

المطلب الأول : المساعدة الأمريكية الجادة فى التوصل إلى إتفاق يحقق مصالح كافة الأطراف ، مع إستخدام واشنطن ماتراه من وسائل مناسبة للوصول إلى هذا الهدف .

المطلب الثاني: أهمية أن تكون واشنطن على قناعة كاملة بأن هذه الأزمة فى حالة إستمرارها سوف تكون لها تداعيات حقيقية على إستقرار المنطقة وعلى مصالح كافة الأطراف، ويجب ألا يعتقد أحد أن الوقت للتوصل لإتفاق لايزال طويلاً أوأننا لازلنا نمتلك ترف عامل الوقت .

المطلب الثالث: ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة أن مصر وهى أكثر الدول المتضررة من السد – مع السودان بالطبع – لازالت حريصة على إستئناف العملية التفاوضية والتوصل إلى إتفاق مرضى للجميع يحقق المصالح الإثيوبية ولكن بشرط رئيسى وهو عدم الإضرار بالمصالح والحقوق المصرية المائية.

المطلب الرابع : أهمية أن تعلم الولايات المتحدة أنها قد نجحت من قبل فى التوصل إلى إتفاق فى فبراير من العام الماضى رفضت إثيوبيا التوقيع عليه ، وأن المشكلة تمثلت فى أن واشنطن لم تقم بإستكمال الدور المأمول لدفع الأطراف الأخرى للتوقيع عليه وهو ما نرجو ألا يتكرر مستقبلاً خاصة وأن رفض إثيوبيا التوقيع على الإتفاق منذ حوالى عام ونصف جاء فى وقت لم تكن فيه الأوضاع بالخطورة الحالية التى تقترب فيها إثيوبيا من الملئ الثانى بكل تداعياته دون التوصل لإتفاق مع دولتى المصب .

المطلب الخامس : أهمية تحديد واشنطن موعداً لإستئناف المفاوضات خلال فترة زمنية قريبة بمشاركة فعالة من جانبها ومن الإتحاد الإفريقى بالطبع ، مع ضرورة أن يتحول دور الوسطاء فى هذه المرحلة من مجرد مراقبين فقط إلى وسطاء لديهم القدرة على طرح أفكار جديدة أو حلول وسط من شأنها أن تقرب وجهات النظر الخلافية ، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها الخبرات الكافية لحل مثل هذه الأزمات .

المطلب السادس : ضرورة أن تكون واشنطن على قناعة بأن مصر التى تمسكت طوال المراحل السابقة بالعملية التفاوضية دون أية نتائج لاتزال حريصة على النهج التفاوضى ، ولكن فى نفس الوقت فإن مصر لن تقبل مطلقاً ومهما كانت النتائج بأن يستمر المسار التفاوضى إلى ما لانهاية حتى لا نجد أنفسنا أمام أمر واقع يؤثر بالسلب على الأمن المصرى المائى .

الخلاصة أن مصر التى ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة لازالت حريصة على أن توفر المجال أمام الإدارة الجديدة للتحرك بشكل فعال من أجل التوصل إلى حل مرضى وملزم لجميع الأطراف بشأن ملئ وتشغيل السد بما يحقق مصالح كافة الأطراف ، وفى الوقت نفسه سوف يمثل ذلك إنجازاً يحسب لصالح إدارة الرئيس ” بايدن ” .

وبالتالي ففي ضوء جولة المبعوث الأمريكي يمكن القول أن الوقت قد حان لوضع حدٍ لهذه الأزمة نظراً لأن إستمرار الموقف الإثيوبى الرافض لكافة المقترحات والإتجاه للملء الثاني دون إتفاق سوف يدخل المنطقة في مرحلة عدم إستقرار أعتقد أنها ستكون غير مسبوقة، ومن الضرورى أن أشير إلى أن مصر تسعى بكل جدية ومصداقية وحسن نوايا إلى تجنب الوصول إلى هذه المرحلة وهى مسئولية تقع بالأساس على إثيوبيا وعلى المجتمع الدولي بما فى ذلك الجهود الأمريكية التى تقدرها مصر وتأمل نجاحها.     

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب