الأمين العام السفير أحمد أبو الغيط

رئيس الهيئة الإستشارية

ترشيح مصر السفير أحمد أبو الغيط لفترة ثانية أمينًا عامًّا لجامعة الدول العربية اختيار موفق لخبرة عريضة في الدبلوماسية المصرية التي هي في كثير من الأحيان دبلوماسية عربية أيضًا كدبلوماسي صعد السلم كله حتى بات وزيرًا للخارجية؛ ولخبرة مباشرة في الدبلوماسية العربية والدولية خلال السنوات الخمس الماضية والتي لم تكن سهلة وفق كل المعايير. كان نصف العقد الماضي اختبارًا كبيرًا للجامعة العربية لأنه كان اختبارًا أكبر للدول العربية جميعًا التي عرفت في النصف الأول من العقد زلزالًا كبيرًا سمى بالربيع العربي الذي انقلب شتاء كبيرا بفعل الحروب الأهلية وانهيار أسعار النفط وذيوع الإرهاب حتى قيام دولة «الخلافة الإسلامية» على الحدود…

د. عبد المنعم سعيد
رئيس الهيئة الإستشارية

ترشيح مصر السفير أحمد أبو الغيط لفترة ثانية أمينًا عامًّا لجامعة الدول العربية اختيار موفق لخبرة عريضة في الدبلوماسية المصرية التي هي في كثير من الأحيان دبلوماسية عربية أيضًا كدبلوماسي صعد السلم كله حتى بات وزيرًا للخارجية؛ ولخبرة مباشرة في الدبلوماسية العربية والدولية خلال السنوات الخمس الماضية والتي لم تكن سهلة وفق كل المعايير. كان نصف العقد الماضي اختبارًا كبيرًا للجامعة العربية لأنه كان اختبارًا أكبر للدول العربية جميعًا التي عرفت في النصف الأول من العقد زلزالًا كبيرًا سمى بالربيع العربي الذي انقلب شتاء كبيرا بفعل الحروب الأهلية وانهيار أسعار النفط وذيوع الإرهاب حتى قيام دولة «الخلافة الإسلامية» على الحدود العراقية السورية. كانت مصر قد خرجت لتوها من تجربتها الخاصة، بقدر ما كانت السعودية معرضة لامتحان من نوع جديد حيث الاختيار يقع بين الإصلاح الصعب، وبقاء الأمور على ما كانت عليه، وهكذا كان الحال في كل دولة عربية من المحيط إلى الخليج. وقبل أن ينتهي العقد تعرض السودان ولبنان والعراق والجزائر لموجة أخرى من «الربيع» الذي أقام هزاته الكبرى، ولكن قبل أن نعرف ما سوف يفضي إليه جاءت «الجائحة» التي خلطت بين أمور ما كان لها أن تختلط. باختصار كانت الفترة عنيفة وصعبة في كل الأحوال زادها عسرًا التهديدات الإقليمية من إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا، والانقسامات العربية- العربية، والفلسطينية- الفلسطينية. وسط ذلك كله فإن بقاء الجامعة العربية واستمرارها كمظلة للعرب ورافعة لصوتهم تعقد مجالسها ومؤسساتها وتمثيلها في المحافل الدولية- لم يكن أقل من معجزة كبرى.

الشائع في العالم العربي هو لوم الجامعة العربية على ما يعانيه العرب، وهى طريقة للهروب من التعامل مع الواقع العربي في دوله وأقاليمه؛ كما أن هناك دائمًا ذلك الخلط الذى يجرى بين الجامعة وأمانتها العامة التي يقع في قلبها الأمين العام. ولكن إذا كان الأمين العام أحمد أبو الغيط قد تحمل آلام فترة سبقت ونجح فيها في البقاء على المسيرة، فإنه الآن على أبواب آمال كبيرة تنبع أولًا من تراجع معدلات العنف والتدمير في المنطقة عما كانت عليه من قبل، وأكثر من ذلك أن كل حالات الأزمة والصراع خاضعة لمسار دبلوماسي وسيأسى يمكن للجامعة أن تساهم فيه. وثانيًا أن هناك توجهًا واسعًا داخل العديد من الدول العربية نحو الإصلاح العميق والذي بطبيعته يفرض البحث عن التعاون مع الجوار العربي كمصالح عليا، وسوق لا يمكن تجاهلها للعمل والسلع ورأس المال والسياحة بالطبع. وثالثًا أن تجربة العقد الماضي أخرجت عالمًا عربيًّا أكثر نضجًا من كل ما سبق، ولعل المصالحة القطرية العربية التي جرت مؤخرًا، ومحاولات المصالحة الفلسطينية الجارية حاليًا، مع «الاتفاقيات الإبراهيمية» العربية الإسرائيلية، تخلق مناخًا للتعامل مع قضايا المنطقة وأزماتها بشكل يختلف عن كل ما سبق. ورابعًا أن تجارب الدول العربية مع العالم الخارجي بما فيه من دول عظمى وكبرى تعطى درسًا بعد درس أن العون لا يأتي في النهاية إلا من دول الجوار العربي.

وخامسًا أنه رغم كل المآسي التي جرت خلال عواصف العقد المنصرم، فإنه ولَّد الكثير من الطاقة الكبيرة التي ولَّدتها تغييرات ديمغرافية كان فيها الشباب يمثلون الأغلبية، كما كان فيها عصر للعلوم والتكنولوجيا تدفع إلى التقدم وتمنع من الخمود والتراجع إلى الخلف. وسادسًا ورغم أن «الجائحة» لم تنته بعد، وهناك نذر أنها لن تتركنا بسهولة، إلا أن علامات الخروج منها مؤكدة، وبشكل أو آخر خلال الشهور القليلة المقبلة.

ولحسن حظي عرفت معالي الأمين العام منذ فترة طويلة، وكانت لنا دائمًا نقاشات واسعة جرى معظمها في القاهرة، وبعض منها في روما عندما كان سفيرًا فيها، وفى نيويورك عندما كان يقود العمل المصري فى الأمم المتحدة. وكانت خاتمة هذه الحوارات دائمًا هي أنه سوف يتفرغ ويكتب ويشاركنا مهنة الكتابة. والحقيقة أنه فعل، وكانت كتاباته مما يحسده عليها الكتاب بما فيها من شمول ودقة لأهم مراحل العمل العربي المشترك، وما حدث من حروب وسلام، وما فيها من تجارب ودروس. ولكن الخبرة والقدرة السياسية والمقدرة الدبلوماسية للأمين العام والعاملين المخلصين معه وحدها- لا تكفي لكى تكون الجامعة العربية واحدة من دوافع العمل العربي- قطريًّا وعربيًّا- الذى يأخذ العالم العربي إلى قلب القرن الواحد والعشرين. الأمر هكذا لا يقع في دائرة الاختيار الحصيف للأمين العام، وإنما في تغير النظرة العربية العامة والخاصة إلى الجامعة ودورها الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

نقلا عن جريدة المصري اليوم، الأحد ٦ فبراير ٢٠٢١.

د. عبد المنعم سعيد
رئيس الهيئة الإستشارية

مقالات أخرى للكاتب

  img

رأي

البعث