الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية.. هل من جديد؟

نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جاءت بإدارة ديمقراطية جديدة برئاسة “جو بايدن” قد ألقت بظلالها على المنطقة، ليس فقط من خلال ما سوف تطرحه من تأثيرات على مختلف الأوضاع والقضايا في الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة، ولكنها أدت إلى إحداث تأثيرات أخرى مرتبطة بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وتحديدًا إجراء الانتخابات الإسرائيلية المزمعة في شهر مارس 2021 ثم الانتخابات الفلسطينية التي ستبدأ مرحلتها الأولى في شهر مايو 2021. من المقرر أن تُجرَى انتخابات الكنيست رقم 24 يوم 23 مارس القادم، وهي الانتخابات الرابعة التي تُجرَى خلال فترة أقل من عامين، بينما سوف تتم الانتخابات الفلسطينية التي أصدر…

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جاءت بإدارة ديمقراطية جديدة برئاسة “جو بايدن” قد ألقت بظلالها على المنطقة، ليس فقط من خلال ما سوف تطرحه من تأثيرات على مختلف الأوضاع والقضايا في الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة، ولكنها أدت إلى إحداث تأثيرات أخرى مرتبطة بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وتحديدًا إجراء الانتخابات الإسرائيلية المزمعة في شهر مارس 2021 ثم الانتخابات الفلسطينية التي ستبدأ مرحلتها الأولى في شهر مايو 2021.

من المقرر أن تُجرَى انتخابات الكنيست رقم 24 يوم 23 مارس القادم، وهي الانتخابات الرابعة التي تُجرَى خلال فترة أقل من عامين، بينما سوف تتم الانتخابات الفلسطينية التي أصدر الرئيس “أبو مازن” يوم 15 يناير الجاري مرسومًا رئاسيًا بشأنها لتتم على ثلاث مراحل في جميع المحافظات الفلسطينية بما فيها القدس كالتالي:

المرحلة الأولى وهي الانتخابات التشريعية، ومن المقرر أن تتم يوم 23 مايو المقبل، وسوف تعتبر نتائجها بمثابة المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني.

 المرحلة الثانية وهي إجراء الانتخابات الرئاسية، ومن المقرر إجراؤها يوم 31 يوليو القادم.

المرحلة الثالثة وهي إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في 31 أغسطس القادم وفقًا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية بحيث تجري هذه الانتخابات حيثما أمكن. 

إذن، نحن أمام متغيرات هامة سوف نشهد نتائجها وتأثيراتها في الفترة المقبلة، ولعل أهم هذه التأثيرات تتمثل في إحداث حراك جديد على المستويين الإسرائيلي والفلسطيني، ولا سيما بالنسبة لعملية السلام المتوقفة منذ ما يقرب من سبع سنوات، وسوف يزيد من أهمية هذا الحراك رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة لتسوية القضية الفلسطينية التي تعتمد على مبدأ حل الدولتين، وبشكل مغاير لرؤية إدارة الرئيس “ترامب” التي تضمنتها “صفقة القرن” المرفوضة فلسطينيًّا وعربيًّا بل ومن معظم دول العالم.

على المستوى الإسرائيلي، يمكن القول بصفة عامة إنه من المرجح أن يمتلك اليمين واليمين المتطرف الأغلبية في انتخابات الكنيست القادم، وذلك طبقًا لآخر استطلاعات الرأي، وفي الوقت نفسه لا يزال الليكود يحظى بأكثر عدد من المقاعد مقارنة بكافة الأحزاب الأخرى، كما يواصل رئيس الوزراء “نتنياهو” تمتعه بالأفضلية كرئيس مرشح للحكومة المقبلة بفارق كبير عن أقرب منافسيه.

وباستقراء استطلاعات الرأي التي تمت حتى الآن وكذا تحركات قيادات الأحزاب الإسرائيلية المختلفة نشير إلى ما يلي:

أن الليكود لم ينجح في زيادة مقاعده بشكل كبير كما كان متوقعًا رغم نجاح إسرائيل في توقيع اتفاقات تطبيع العلاقات مع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وكذا تطوير “نتنياهو” مسألة التعامل مع مشكلة (كوفيد-19)، وتوفير اللقاح وهي معالجة للأزمة أفضل من ذي قبل, وقد يكون المبرر في عدم تصاعد قوة الليكود هو استمرار اتهامات الفساد الموجهة لـ”نتنياهو” التي لا تزال تحيط به وتشوب وضعيته، ومن ثم تتواصل المظاهرات المضادة له حتى الآن.

أن حزب “أزرق أبيض” برئاسة “بيني جانتس” الذي كان يمثل في الانتخابات السابقة رهان التغيير قد تعرض لانتكاسة شديدة، حيث يمكن أن يفقد حوالي ثلث مقاعده في الانتخابات المقبلة (من 13 مقعدًا إلى حوالي خمسة مقاعد فقط)، خاصة وأن “جانتس” لم ينجح في أن يفرض وجوده الحزبي في الوقت الذي نجح فيه “نتنياهو” في أن يؤثر على وضعيته ويظهره كشخصية ضعيفة، وبالتالي سوف يؤثر ذلك بالقطع على مستقبله السياسي.

أن اليسار الإسرائيلي ويسار الوسط لا يزال يعاني من غياب القيادة القادرة على إعادة تجميعه كقوة مؤثرة، وطرح نفسه كبديل سياسي لليمين المسيطر على الكنيست وعلى الحكومة، وهو الأمر الذي أدى برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” إلى محاولة العودة مرة أخرى إلى الحياة السياسية رغم أن “تومي لابيد” زعيم حزب “يش عاتيد” يسعى إلى أن يطرح نفسه كزعيم لهذا التيار.

وقد يكون أكبر تهديد حقيقي سوف يواجه “نتنياهو” خلال الانتخابات المقبلة أن اليمين الإسرائيلي والأحزاب الدينية رغم تمتعها ككل بالأغلبية حتى الآن (أكثر من 80 مقعدًا في مجموعهم)، إلا أنه لا يمكن الحديث حول وجود كتلة يمين موحدة، بل إن هناك كتل يمين متفرقة خاصة بعد انسحاب “جدعون ساعر” من الليكود وتأسيسه حزبًا جديدًا (أمل جديد) سيكون قادرًا على حصد أكثر من 15 مقعدًا ومنافسة “نتنياهو” على رئاسة الوزراء، بل هناك إمكانية لأن يدخل “ساعر” في ائتلاف مع أحد أحزاب الوسط (لابيد) وتحت هدف تكتيكي واحد للجميع هو عدم تمكين “نتنياهو” من تولي رئاسة الوزراء للمرة السادسة في تاريخه.

وعلى المستوى الفلسطيني، لا شك أن التفاهمات التي تمّت خلال الفترة الأخيرة بين كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس والخطابات المتبادلة بينهما والاجتماعات التمهيدية التي سبقتها قد ساهمت -إلى حدٍ كبير- في تهيئة المناخ أمام إصدار المرسوم الرئاسي للانتخابات، حيث تَوَافَقَ الطرفان على ضرورة بلورة مرحلة جديدة من شأنها إنهاء الانقسام الفلسطيني، وبناء الشراكة السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال انتخابات ديمقراطية تجري بالتمثيل النسبي الكامل.

ويمكن الإشارة إلى أن قرار الرئاسة الفلسطينية بالدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية والمجلس الوطني على التوالي وعلى فترات زمنية متقاربة، يعد قرارًا استراتيجيًا من جانب الرئيس “أبو مازن”، حيث لم يتم إجراء انتخابات رئاسية منذ 2005 أو انتخابات تشريعية منذ عام 2006، وبالتالي فإن قرار الانتخابات يهدف إلى تحقيق الأهداف الأربعة التالية:

الهدف الأول: إعادة تجديد الشرعيات للمؤسسات السياسية والبرلمانية، وبما ينقل الوضع الفلسطيني إلى مرحلة جديدة تعكس طبيعة ونتائج أية متغيرات قد تكون حدثت على الساحة الفلسطينية في مراحل سابقة.

الهدف الثاني: بعث الحراك السياسي في الموقف الفلسطيني الداخلي المتجمد منذ أكثر من عقد ونصف.

الهدف الثالث: تأكيد حرص القيادة الفلسطينية على إحداث تغيير حقيقي في مكونات المؤسسات الحاكمة المختلفة.

الهدف الرابع: توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها حرص القيادة الفلسطينية على العملية الديمقراطية عندما توافرت الظروف المناسبة لهذا الإجراء.

وفي الوقت نفسه فإن هذه الانتخابات سوف يكون لها تأثير كبير على السياسة الفلسطينية الداخلية والخارجية في ضوء العوامل الستة التالية:

 العامل الأول: أن انتخابات الرئاسة تعد أهم مرحلة في المراحل الثلاث للانتخابات نظرًا لأنها سوف تسفر عن انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية الذي يعد بالتالي رئيسًا لدولة فلسطين، وسوف يكون الشخصية الرئيسية والأولى التي يتعامل معها المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة، وتكون له حرية الحركة الداخلية والخارجية.

العامل الثاني: مدى وجود مرشحين مقبولين ومتوافق عليهم لانتخابات الرئاسة الفلسطينية قادرين على تحمل مسئولية المرحلة المقبلة، مع الأخذ الاعتبار أن الرئيس “أبو مازن” لا يزال يمثل صمام الأمان للموقف الفلسطيني ككل.

العامل الثالث: مدى قدرة حركة فتح على إعادة ترتيب أوراقها بهدف العودة لامتلاك الأغلبية في المجلس التشريعي التي فقدتها بفارق كبير عن حماس في الانتخابات السابقة.

العامل الرابع: مدى قدرة حركة حماس على الحفاظ على الأغلبية التي سبق أن حصلت عليها في انتخابات 2006، تلك الأغلبية التي مكّنتها من تشكيل الحكومة ورئاسة المجلس التشريعي.

العامل الخامس: مدى إمكانية مشاركة أحزاب أو جبهات أو قوائم جديدة أو قوائم مشتركة أو شخصيات جديدة في الانتخابات، وكذا مدى قدرة كل منهم على الحصول على أكبر قدر من المقاعد.

العامل السادس: مدى تأثير نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات والمتعلقة بانتخابات المجلس التشريعي على طبيعة ونتائج المرحلتين الثانية والثالثة، وخاصة انتخابات الرئاسة.

وفي الوقت نفسه فإن العملية الانتخابية الفلسطينية سوف تواجه بعض الصعوبات، من أهمها صعوبتان رئيسيتان؛ الأولى هي مدى إمكانية إجراء الانتخابات في القدس من عدمه، وطبيعة الموقف الإسرائيلي المتوقع في هذا الشأن، حيث إن هذا الأمر يعد شرطًا فلسطينيًا لإجراء الانتخابات في الوطن ككل، والصعوبة الثانية وتتمثل في مدى قدرة الفصائل الفلسطينية على تجنب وضع أية شروط تعجيزية خلال الحوارات التمهيدية التي ستتم خلال المرحلة المقبلة والتي من المفترض بل يجب أن تتوصل إلى تفاهمات بين الجميع حول كافة الأمور المتعلقة بالعملية الانتخابية وطبيعة المشاركة السياسية.

وإذا سلّمنا بأن المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات جاء تجاوبًا مع مطالب الشارع الفلسطيني والمنظمات والفصائل حتى وإن كان متأخرًا؛ إلا أن هذا المتغير يتطلب أن تترفع كافة الفصائل والمنظمات الفلسطينية عن مصالحهم الحزبية الضيقة، ويضعوا المصلحة الفلسطينية العليا نصب أعينهم، فليس من المنطق أو من المقبول النظر إلى الانتخابات على أنها وسيلة تحقق مصالح خاصة، بل يجب التركيز على كيف يمكن أن تكون هذه الانتخابات خطوة نوعية ومرحلة فارقة تنقل الوضع الفلسطيني الحالي إلى وضع مستقبلي أفضل في كافة المجالات، ولا سيما إنهاء الانقسام اللعين الذي يقترب من عامه الرابع عشر، وهو الأمر الذي نتوقع أن تكون له الأولوية في الحوارات الفلسطينية المتوقع أن تستضيفها مصر خلال الفترة القريبة المقبلة.

ومن المؤكّد أن نتائج المتغيرات الثلاثة التي سوف تشهدها المنطقة خلال المرحلة المقبلة، وهي على التوالي السياسة التي سوف تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، ونتائج الانتخابات الإسرائيلية، ثم نتائج الانتخابات الفلسطينية، وهي كلها أمور سوف يكون لها تأثير كبير على عملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى مدى إمكانية أن يتم دفع الموقف السياسي إلى الأمام من عدمه.

وفي النهاية، لا بد من الإشارة إلى الزيارة شديدة الأهمية التي قام بها السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” للأردن يوم 18 الجاري، والمباحثات المثمرة التي تمت بين السيد الرئيس والعاهل الأردني، والتوافق على كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك والتي سبقتها بيوم واحد الزيارة التي قام بها كل من السيد رئيس المخابرات العامة المصرية ورئيس المخابرات الأردنية إلى رام الله ولقاؤهما الهام مع الرئيس الفلسطيني “أبو مازن” في رام الله يوم 17 الجاري، وهي كلها تحركات تصب في صالح إعادة تأكيد الدعم المصري والأردني المطلق للقضية الفلسطينية.

ويمكن القول إن هذا التنسيق المصري الأردني الفلسطيني سوف تكون له نتائج إيجابية خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن كلًا من مصر والأردن يَعتبران القضية الفلسطينية بمثابة قضية أمن قومي لكل من الدولتين، وتتفقان تمامًا على ضرورة تطبيق مبدأ حل الدولتين الذي يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيش جنبًا إلى جنب بجوار إسرائيل في أمن وسلام واستقرار.

وفي رأيي -بل وفي قناعتي- أن كلًا من مصر والأردن هما الدولتان الرئيسيتان في المنطقة اللتان تضعان القضية الفلسطينية على سلم أولويات سياستهما الخارجية، وتحرصان بكل الجهد الدؤوب والمخلص والحقيقي على الحفاظ على هذه القضية العربية المركزية في دائرة الضوء رغم كل ما تعانيه المنطقة من مشكلات وصراعات. ومن ثم ففي تقديري أن مصر والأردن بما تمتلكانه من مقومات وعلاقات مميزة مع جميع الأطراف سوف تقودان الجهد العربي والدولي من أجل أن يكون عام 2021 هو عام إعادة بعث القضية الفلسطينية وصولًا لإقامة الدولة الفلسطينية التي نأمل أن تكتمل كافة ترتيباتها خلال العام الجاري.

اللواء محمد إبراهيم الدويري
نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات أخرى للكاتب